للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمصدر المؤول من: {أَنْ تَعْدِلُوا} في محل جرّ بحرف جر محذوف عند الكوفيين، التقدير: لئلا تعدلوا عن الحقّ. وعند البصريّين، التقدير: كراهة العدول عن الحق، فهو في محل جر بإضافته لمفعول لأجله محذوف، وهذا؛ إن كان الفعل بمعنى: تميلوا، وأمّا إن كان الفعل على ظاهره بمعنى العدل؛ فالمصدر في محل جرّ بحرف جرّ محذوف، التقدير: للعدل، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا..}. إلخ: انظر إعراب مثل هذا الكلام مفصلا في الآية رقم [١٢٨].

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١٣٦)}

الشرح: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الآية رقم [٢٩] فإنّه جيد. {آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ:} هذا خطاب للمؤمنين، والمعنى: اثبتوا على الإيمان، ودوموا عليه. {وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ} يعني: القرآن الّذي أنزله على محمد صلّى الله عليه وسلّم. {وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} أي: جنس ما أنزل على الأنبياء قبله من كتب. {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ..}. إلخ. أي: ومن يكفر بشيء من ذلك؛ {فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً:} انظر الآية رقم [٦٠].

هذا؛ وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: نزلت الآية الكريمة في عبد الله بن سلام، وأصحابه-رضي الله عنهم-: فهؤلاء مؤمنو أهل الكتاب، أتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: إنا نؤمن بك، وبكتابك، وبموسى، والتوراة، وعزير، ونكفر بما سوى ذلك من الكتب، والرّسل، فقال لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بل آمنوا بالله، وبرسوله محمد، والقرآن، وبكلّ كتاب كان قبله، فأنزل الله تعالى الآية. وقيل: الخطاب للمنافقين، والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم، ولم تؤمن قلوبهم، آمنوا بقلوبكم حتى ينفعكم الإيمان؛ لأنّ الإيمان باللّسان لا ينفع من غير مواطأة القلب. وقيل:

هو خطاب للمؤمنين. والمعنى: يا أيها الذين آمنوا في الماضي، والحال آمنوا في المستقبل، ودوموا، واثبتوا على الإيمان.

هذا؛ وقد قال تعالى في حق القرآن: {نَزَّلَ،} وقال في حقّ الكتب السّابقة: {أَنْزَلَ؛} لأنّ الأول يفيد التكثير مرّة بعد مرّة، وهو ممّا اتصف به القرآن الكريم؛ لأنّه نزل مفرقا في ثلاث وعشرين سنة على حسب الوقائع، ومقتضيات الأحوال على ما نرى عليه الشعر، والخطابة، بخلاف التوراة، والإنجيل؛ فإنّهما نزلا دفعة واحدة. ونزول القرآن مفرّقا كان ممّا يريب الكافرين، كما حكى الله عنهم بقوله: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً}

<<  <  ج: ص:  >  >>