للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ و {رِجالٌ} جمع: رجل، وهو مأخوذ من الرجولة بمعنى الشهامة، والحمية، والنخوة، ومن لم يتصف بذلك؛ فليس رجلا بالمعنى الصحيح، والمرأة مأخوذة من المرء، وهو الرجل؛ لأن حواء أخذت من ضلع آدم، كما رأيت فيما سبق؛ لذا جعلت نهمتها في الرجل، وأما الرجل فقد جعلت نهمته في التراب، أي: حطام الدنيا؛ لأن آدم خلق من تراب. ونص الآية صريح على أن لفظ الرجال يطلق على الجن خلافا لمن منع ذلك.

{فَزادُوهُمْ رَهَقاً} أي: زاد الجن الإنس رهقا، أي: خطيئة، وإثما. قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. والرهق: الإثم في كلام العرب، وغشيان المحارم. ورجل رهق: إذا كان كذلك، قال تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام في حق الذين أحسنوا الحسنى: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ} رقم [٢٦]، وقال في حق الذين كسبوا السيئات: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} رقم [٢٧] منها أيضا. هذا؛ وقال الأعشى: [البسيط]

لا شيء ينفعني من دون رؤيتها... هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقا؟

يعني: إثما، وأضيفت الزيادة إلى الجن؛ إذ كانوا سببا لها. وقال مجاهد: المعنى: زاد الإنس الجن طغيانا، وتمردا بهذا التعوذ؛ حتى قالت عظماء الجن: سدنا الإنس، والجن. ولا شك أن الاستعاذة بالجن دون الاستعاذة بالله كفر، وشرك.

الإعراب: {وَأَنَّهُ:} الواو: حرف عطف. (أنّ): حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها.

{كانَ:} فعل ماض ناقص. {رِجالٌ:} اسم {كانَ}. {مِنَ الْإِنْسِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة {رِجالٌ}. {يَعُوذُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، الواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب خبر {كانَ}. {بِرِجالٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنَ الْجِنِّ:} متعلقان بمحذوف صفة {رِجالٌ}. وجملة: {كانَ..}. إلخ في محل رفع خبر أن، و (أنه كان...) إلخ معطوف على الكلام قبله على الوجهين المعتبرين فيه. {فَزادُوهُمْ:} ماض، وفاعله، ومفعوله الأول. {رَهَقاً:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مثلها.

{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً (٧)}

الشرح: هذا من قول الله تعالى للإنس، لا من قول الجن. والمعنى: أن الجن ظنوا كما ظنت الإنس أن لن يبعث الله رسولا إلى خلقه يقيم به الحجة عليهم. أو المعنى: ظن الجن كما ظننتم يا معشر قريش أن لن يبعث الله أحدا بعد موته، ولكنّ الجن لما سمعوا القرآن؛ اهتدوا، وأقروا بالبعث؛ فهلا أقررتم مثلهم؟! ففيه توبيخ شديد للمنكرين البعث من البشر، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>