للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{عَلَيْهِنَّ:} جار ومجرور متعلّقان بما قبلهما. {سَبِيلاً:} مفعول به. و (إن) ومدخولها كلام مفرع، ومستأنف، لا محلّ له. {إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً:} إعرابها واضح إن شاء الله.

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥)}

الشرح: {وَإِنْ خِفْتُمْ:} أي: وإن علمتم، وتيقّنتم. وقيل: معناه الظنّ؛ أي: إن ظننتم.

وأصل الفعل: خوفتم، فنقلت حركة الواو إلى الخاء قبلها بعد سلب فتحتها، فسكنت الواو، ثم حذفت لالتقاء الساكنين، فالكسرة على الخاء للدّلالة على حركته المحذوفة، ولو كانت دليلا على المحذوف؛ لكانت ضمّة. والجمهور على أنّ المخاطب: الحكام، والأمراء. {شِقاقَ:}

للشّقاق ثلاثة معان: أحدها: العداوة، كما في قوله تعالى حكاية عن قول شعيب لقومه: {وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي..}. إلخ. والثاني: الضّلال: كما في قوله تعالى: {وَإِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ}. وكما في الآية الكريمة؛ التي نحن بصدد شرحها؛ لأنّ كلّ واحد من المتشاقّين يكون في شقّ غير شقّ صاحبه، أي: في ناحية، وجهة. قال الشاعر: [الوافر]

وإلاّ فاعلموا أنّا وأنتم... بغاة ما بقينا في شقاق

هذا؛ و (بين) ظرف مكان بمعنى: وسط بسكون السّين، لا يقع إلا بين متعدّد لفظا، وحكما. تقول: جلست بين القوم، كما تقول: جلست وسط القوم. هذا؛ والبين: الفراق، والبعاد، وهو أيضا الوصل، فهو من الأضداد، كالجون يطلق على الأسود، والأبيض، ومن استعماله بمعنى الوصل ما قرئ به سورة (الأنعام) رقم [٩٤]: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} حيث قرئ برفعه، ومن استعماله بمعنى الفراق والبعاد قول كعب بن زهير-رضي الله عنه-من قصيدته التي مدح بها النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو الشاهد رقم [٨٠٩] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [البسيط]

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا... إلاّ أغنّ غضيض الطّرف مكحول

{فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها:} المخاطب بذلك الحاكم الشّرعي في هذه الأيام؛ لأنّ تنفيذ الأحكام إليه، ويجوز أن يتولّى ذلك جماعة من المسلمين ممّن يسعون في الإصلاح بين النّاس. وقيد الله الحكمين من أهل الزّوجين؛ لأنّهما أعرف بحال الزوجين، ويجب أن يكونا من أهل العدالة، وحسن النظر، والبصر بالفقه، فإن لم يوجد من أهلهما من يصلح لذلك، فيرسل من غيرهم عدلين، عالمين، وذلك إذا أشكل أمرهما، ولم يدر ممّن الإساءة منهما، فأمّا إذا عرف الظّالم منهما؛ فإنّه يؤخذ منه الحقّ لصاحبه، ويجبر على إزالة الضّرر. وهذا بعد أن يختلي الحكم بمن ينوب عنه، ويتعرّف أحواله، ومظالمه، وشكواه، وعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>