الحكمين أن يسعيا بالإصلاح بين الزّوجين، ويذكّر انهما بالله، وبالنّصيحة، وما أفضى به كلّ منهما، فإن أنابا، ورجعا؛ تركاهما، وضمنا لهما حياة سعيدة رغيدة، وإن كان غير ذلك، ورأيا الفرقة؛ فرّقا بينهما، وتفريقهما جائز على الزّوجين، وسواء وافق حكم قاضي البلد، أو خالفه، وكّلهما الزوجان بذلك، أو لم يوكّلاهما. والفراق في ذلك طلاق بائن.
وقال قوم: ليس لهما الطّلاق ما لم يوكّلهما الزّوج في ذلك، وليعرّفا القاضي بذلك، وهذا بناء على أنّهما رسولان شاهدان، ثمّ القاضي يفرّق إن أراد، ويأمر الحكم بالتّفريق، وهو قول كثيرين. والصّحيح الأول، وأنّ للحكمين التّطليق دون توكيل، وهو قول مالك، والشافعي، وهو مرويّ عن عثمان، وعليّ، وابن عبّاس-رضي الله عنهم-، وخالف أبو حنيفة-رحمه الله تعالى- في ذلك، فيرى: أنّ الحكمين لا يطلقان إلا برضا الزوج، واحتجّ بما يلي:
فقد روى الدارقطنيّ من حديث محمّد بن سيرين عن عبيدة في هذه الآية، قال: جاء رجل، وامرأة إلى عليّ-رضي الله عنه-، ومع كلّ واحد منهما جماعة من الناس، فأمرهم، فبعثوا حكما من أهله، وحكما من أهلها، وقال عليّ للحكمين: هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تفرّقا؛ فرقتما. فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما عليّ فيه، ولي. وقال الزّوج: أمّا الفرقة؛ فلا، فقال عليّ-رضي الله عنه-: كذبت! والله لا تبرح حتى تقرّ بمثل الذي أقرّت به! هذا؛ وفي الآية دليل على إثبات التحكيم، وليس كما تقول الخوارج: لا تحكيم إلا لله، فهذه كلمة حق يريدون بها الباطل، وقد وافق الإمام أحمد أبا حنيفة فيما ذهب إليه.
{إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً..}. إلخ أي: إن يرد الزوجان إصلاحا، وصدقا فيما أخبرا به الحكمين؛ يوفّق الله بينهما، وقال ابن عباس ومجاهد-رضي الله عنهم-: إن يرد الحكمان إصلاحا؛ يوفّق الله بين الزوجين. وقيل: المراد: الزوجان.
{إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً:} يعني: أنّ الله تعالى يعلم كيف يوفّق بين المختلفين، ويجمع بين المتفرّقين. وفيه وعيد شديد للزّوجين، والحكمين؛ إن سلكوا غير طريق الحق. هذا؛ وذكر الله في الآية الكريمة الإصلاح، ولم يذكر ما يقابله وهو التفريق، وفيه إشارة لطيفة إلى أنّه ينبغي للحكمين أن يبذلا جهدهما في الإصلاح؛ لأنّ في التفريق خراب البيوت، وتشتيت الأولاد، وذلك ممّا ينبغي أن يجتنب.
الإعراب:{وَإِنْ:} الواو: حرف استئناف. ({إِنْ}): حرف شرط جازم. {خِفْتُمْ:} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء فاعله. {شِقاقَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {بَيْنِهِما:} مضاف إليه من إضافة المصدر لظرفه، مثل قوله تعالى:{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ،} والهاء في محل جر بالإضافة، والميم والألف حرفان دالان على التثنية، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية. ويقال: لأنّها جملة شرط غير ظرفي. {فَابْعَثُوا:} الفاء: