{وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ اِمْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣)}
الشرح: {وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ:} وصل موسى إلى الماء، وهو بئر لأهل مدين كانوا يسقون منها، ووروده الماء معناه: أنه بلغه لا أنه دخل فيه، ولفظة الورود تكون بمعنى الدخول في المورود، وبمعنى الاطلاع عليه؛ والبلوغ إليه؛ وإن لم يدخل، ومنه قول زهير في معلقته:
رقم [١٤]. [الطويل]
فلمّا وردن الماء زرقا جمامه... وضعن عصيّ الحاضر المتخيّم
{وَجَدَ عَلَيْهِ} أي: قريبا من الماء، أو وجد فوق شفير البئر. {أُمَّةً:} جماعة كثيرة العدد.
{يَسْقُونَ:} مواشيهم الماء. هذا؛ وأمة بمعنى الجماعة، كما رأيت، ولا واحد لها من لفظها، وتكون واحدا إذا كان ممن يقتدى به، كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ} والأمة:
الطريقة، والملة في الدين، كقوله تعالى حكاية عن قول المشركين: {إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ} وبها فسرت الآية رقم [٩٢] من سورة (الأنبياء). وقال النابغة الذبياني من قصيدة يخاطب بها النعمان بن المنذر، ويعتذر له مما وشى به الواشون: [الطويل]
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة... وهل يأثمن ذو أمّة، وهو طائع؟
وكل جنس من الحيوان أمة، كقوله تعالى: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ}. والأمة: الحين، والوقت، كقوله تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} أي: بعد وقت وحين.
{وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ} أي: في مكان أسفل من مكانهم، وقبل أن يصل إلى الجماعة المحتشدين على الماء. {اِمْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ:} تحبسان أغنامهما من الماء؛ لئلا تختلط بأغنامهم.
قال سويد بن كراع يذكر تنقيحه شعره: [الطويل]
أبيت على باب القوافي كأنّما... أذود به سربا من الوحش نزّعا
أي: أحبس، وأمنع. وقيل: تذودان: تطردان. قال جرير يهجو الفرزدق: [الوافر]
لقد سلبت عصاك بنو تميم... فما تدري بأيّ عصا تذود؟
أي: تطرد، وتكف. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: تذودان أغنامهما عن الماء خوفا من السقاة الأقوياء. وقيل: كانتا تكرهان المزاحمة على الماء. {قالَ ما خَطْبُكُما} أي: