فلما قدم عليه صار حالا، على القاعدة التي رأيتها في الآية [٦٦]{حَسَنَةً:} مفعول به ثان، والجملة معطوفة على ما قبلها، أو هي مستأنفة، لا محل لها، وهو أولى بسبب الالتفات.
{وَإِنَّهُ:} الواو: واو الحال. (إنه): حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {فِي الْآخِرَةِ:} متعلقان ب: {الصّالِحِينَ} بعدهما. {لَمِنَ:} اللام: هي المزحلقة. (من الصالحين): متعلقان بمحذوف خبر (إنّ) والجملة الاسمية: {وَإِنَّهُ..}. إلخ في محل نصب حال من الضمير المنصوب، والرابط:
الشرح:{ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ:} الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، و {ثُمَّ} إما لتعظيمه، والتنبيه على أنّ أجلّ ما أوتي إبراهيم اتباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم ملّته، أو لتراخي أيامه. {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً} أي: في التوحيد، والدعوة إليه بالرفق، وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى، والمجادلة مع كل أحد على حسب فهمه. انتهى. بيضاوي. وقيل: أمر الله النبي عليه الصلاة والسّلام باتباع إبراهيم عليه السّلام في جميع ملته إلا ما أمر بتركه، والصحيح الاتباع في عقائد الشرع دون الفروع لقوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً}. {وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ:} بالله، بل كان من الموحدين المخلصين من صغره إلى كبره.
تنبيه: في هذه الآية دليل على جواز اتباع الأفضل للمفضول، ولا نقص في حق الفاضل في ذلك؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أفضل الأنبياء جميعا عليهم السّلام، وقد أمر بالاقتداء بهم، قال الله له:
{أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ،} وقال هنا: {ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ} كيف لا؟ والرسول أفضل من جبريل بكثير، وهو بمنزلة المعلم له! ولا تنس: أخيرا: أن الله تعالى لمّا وصف إبراهيم-عليه الصلاة والسّلام-بتلك الصفات العالية، والخصال المجيدة، والشيم الحميدة، أمر حبيبنا، وشفيعنا باتباعه، والاقتداء به، فيا نعم المقتدي، والمقتدى به! وانظر تعليم الخضر لموسى في الآية [٦٧] من سورة (الكهف) وما بعدها.
بعد هذا انظر شرح الوحي في الآية رقم [٦٨] و (الملة): الطريقة، والديانة، وهي بكسر الميم، وبفتح الميم: الرّماد الحار. وانظر شرح الباقي في الآية رقم [١٢٠] وشرح: {ثُمَّ} في الآية رقم [٥٣] والله ولي التوفيق.
الإعراب:{ثُمَّ:} حرف عطف. {أَوْحَيْنا:} فعل، وفاعل. {إِلَيْكَ:} متعلقان بما قبلهما.
{أَنِ:} حرف تفسير. {اِتَّبِعْ:} أمر، وفاعله مستتر تقديره:«أنت». {مِلَّةَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {إِبْراهِيمَ:} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، والعجمة. {حَنِيفاً:} حال من إبراهيم، وقال مكي: حال من فاعل اتبع