للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اُكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦)}

الشرح: {كَمَثَلِ الشَّيْطانِ} أي: مثل المنافقين مع بني النضير، وخذلانهم إياهم، كمثل الشيطان؛ {إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ} اكفر: وذلك ما روي عن عطاء، وغيره عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: كان راهب في الفترة، يقال له: برصيصا يعبد الله في صومعة له سبعين سنة، لم يعص الله فيها طرفة عين، وإن إبليس أعياه في أمره الحيل، فجمع ذات يوم مردة الشياطين، وقال: ألا أحد منكم يكفيني أمر برصيصا؟! فقال الأبيض، وهو صاحب الأنبياء، وهو الذي تصدى للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وجاءه في صورة جبريل ليوسوس له على وجه الوحي، فلحقه جبريل عليه السّلام، فدفعه إلى أقصى أرض الهند.

فقال الأبيض لإبليس: أنا أكفيك أمره، فانطلق، فتزين بزينة الرهبان، وحلق وسط رأسه، وأتى صومعة برصيصا، فناداه، فلم يجبه، وكان لا ينفتل عن صلاته، إلا في كل عشرة أيام يوما، ولا يفطر إلا في كل عشرة أيام مرة، فلما رأى الأبيض: أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل الصومعة، فلما انفتل برصيصا من صلاته؛ اطلع من صومعته، فرأى الأبيض قائما يصلي في هيئة حسنة على هيئة الرهبان، فلما رأى ذلك من حاله ندم في نفسه؛ أي: لام نفسه حين لم يجبه، فقال له: ناديتني، وكنت مشتغلا عنك، فما حاجتك؟

قال الأبيض: حاجتي أني جئت لأكون معك، فأتأدّب بأدبك، وأقتبس من عملك، ونجتمع على العبادة، فتدعو لي، وأدعو لك! قال برصيصا: إني لفي شغل عنك، فإن كنت مؤمنا فإن الله سيجعل لك فيما للمؤمنين نصيبا؛ إن استجاب لي، ثم أقبل على صلاته، وترك الأبيض، وأقبل الأبيض يصلي، فلم يلتفت إليه برصيصا أربعين يوما، فلما انفتل بعدها رآه قائما يصلي، فلما رأى برصيصا شدة اجتهاد الأبيض. قال له: ما حاجتك؟ قال: حاجتي أن تأذن لي، فأرتفع إليك، فأذن له، فارتفع إليه في صومعته، فأقام حولا يتعبد لا يفطر إلا في كل أربعين يوما مرة، ولا ينفتل عن صلاته إلا كذلك، وربما مد إلى الثمانين، فلما رأى برصيصا اجتهاده، تقاصرت إليه نفسه، وأعجبه شأن الأبيض، فلما حال الحول. قال الأبيض لبرصيصا: إني منطلق، فإن لي صاحبا غيرك، ظننت أنك أشد اجتهادا مما رأيت، وكان يبلغنا عنك غير الذي رأيت، فدخل من ذلك على برصيصا أمر شديد، وكره مفارقته لما رأى من كثرة اجتهاده، ولمّا ودعه الأبيض؛ قال له: إن عندي دعوات أعلمكها تدعو بهنّ، فهو خير لك مما أنت فيه، يشفي الله بها السقيم، ويعافي بها المبتلى، والمجنون.

قال برصيصا: أنا أكره تلك المنزلة؛ لأن لي في نفسي لشغلا، وإني أخاف إن علم الناس شغلوني عن العبادة، فلم يزل به الأبيض حتى علمه، ثم انطلق حتى أتى إبليس: فقال: قد والله

<<  <  ج: ص:  >  >>