الإعراب: {يا مَرْيَمُ:} منادى مثل ما قبله. {اُقْنُتِي:} فعل أمر مبني على حذف النون؛ لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، وياء المؤنثة المخاطبة ضمير متصل في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية، وما عطف عليها، والجملة الندائية كلّ ذلك في محل نصب مقول قول الملائكة.
{مَعَ:} ظرف مكان متعلق بما قبله، وهو مضاف، و {الرّاكِعِينَ} مضاف إليه مجرور... إلخ.
{ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)}
الشرح: {ذلِكَ:} الإشارة إلى ما ذكر من أمر زكريا، ويحيى، ومريم، على نبينا، وعليهم ألف صلاة، وألف سلام. {مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ:} من أخبار الغيب. والغيب: كلّ ما غاب عنّا. ولم تدركه حواسنا، قال الشاعر: [الطويل]
وبالغيب آمنّا، وقد كان قومنا... يصلّون للأوثان قبل محمّد
ورحم الله من يقول: [الطويل]
إذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تقل... خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة... ولا أنّ ما يخفى عليه يغيب
{نُوحِيهِ إِلَيْكَ:} نخبرك به بواسطة جبريل الأمين، عليه السّلام. وأصل الوحي: الإشارة السريعة، والوحي: الكتاب المنزل على الرّسول المرسل لقومه، مثل موسى، وعيسى، ومحمّد، صلّى الله عليهم أجمعين. والوحي أيضا: الكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك، وتسخير الطّير لما خلق له إلهام، والوحي إلى النّحل، وتسخيرها لما خلقها الله له إلهام. واختلف في الوحي إلى أمّ موسى، فقيل: كان في المنام. وقيل: كان إلهاما. وقيل:
كان يكلّمها جبريل، عليه السّلام. قال تعالى في سورة (طه) حكاية عمّا أجاب به موسى فرعون:
{قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى}. وعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: إن الحارث بن هشام-رضي الله عنه-سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال:
«أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّه عليّ، فينفصم عنّي؛ وقد وعيت ما قال. وأحيانا يأتيني الملك رجلا، فيكلّمني، فأعي ما يقول». قالت عائشة-رضي الله عنها-: فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه؛ وإن جبينه ليتفصّد عرقا. أخرجه البخاريّ ومسلم، وعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت:
يا رسول الله! هل تحس بالوحي؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أسمع صلاصل، ثمّ أسكت عند ذلك، فما من مرّة يوحى إليّ؛ إلاّ ظننت أنّ نفسي تقبض». أخرجه الإمام أحمد، رحمه الله تعالى.