للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ} وما كنت موجودا عندهم. {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ} في النّهر حين اختصموا، وتنافسوا على كفالة مريم، كلّ يريد أن تكون في كنفه، ورعايته، حتّى فصلت بينهم القرعة، وكانت من نصيب زكريا، كما رأيت في الآية [٣٧]. هذا؛ و {يُلْقُونَ} بمعنى: ألقوا، و {يَخْتَصِمُونَ} بمعنى: اختصموا، أو هما حكاية حال ماضية.

هذا؛ و {لَدَيْهِمْ} ظرف مكان بمعنى: عند، وهي معربة مثلها، وقد تستعملان في الزّمان، وإذا أضيف «لدى» إلى مضمر، -كما هنا-قلبت ألفه ياء عند جميع العرب، إلا بني الحارث بن كعب، وبني خناعة، فلا يقلبونها تسوية بين الظاهر، والمضمر، كما لا يقلبون ألف «على» و «إلى» ونحوهما، وعلى لغتهم جاء قول الشاعر: [الوافر]

إلاكم يا خناعة لا إلانا... عزا النّاس الضّراعة والهوانا

فلو برأت عقولكمو بصرتم... بأنّ دواء دائكمو لدانا

وذلكمو إذا واثقتمونا... على قصر اعتمادكمو علانا

ثمّ اعلم: أنّ «عند» أمكن من: «لدى» من وجهين: أحدهما: أنها تكون ظرفا للأعيان، والمعاني، تقول: هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به. ويمتنع ذلك في لدى، ذكره ابن الشّجري في أماليه، ومبرمان في حواشيه. والثاني: أنّك تقول: عندي مال؛ وإن كان غائبا، ولا تقول: لديّ مال إلا إذا كان حاضرا، قاله جماعة، منهم الحريري، وأبو هلال العسكري، وابن الشّجري. وزعم المعري: أنه لا فرق بينهما، وقول غيره أصحّ. انتهى. فتح القريب المجيب.

تنبيه: الآية الكريمة تذكّر النبي صلّى الله عليه وسلّم بما أنعم الله عليه من نعم. ومثلها كثير في القرآن، وفيه منّ على الرّسول العظيم لا يخفى، وهذا المنّ من الله على نبيّه مقبول؛ لأنّ الله عز وجل يمنّ بما يملك حقيقة، فهو المنعم، والمتفضل، بخلاف منّ العبد على العبد، فهو مذموم؛ لأنّ العبد يمنّ على العبد بما رزقه الله تعالى، وأنعم به عليه، فلا ملك له في الحقيقة. تأمّل، وتدبّر.

الإعراب: {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محلّ له. {مِنْ أَنْباءِ:} متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، و {أَنْباءِ:}

مضاف، و {الْغَيْبِ} مضاف إليه. {نُوحِيهِ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر تقديره: نحن، والهاء مفعول به. {إِلَيْكَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل {نُوحِيهِ} والجملة الفعلية في محل رفع خبر ثان للمبتدإ، إن عاد الضمير على الإشارة، أو في محل نصب حال من الغيب إن عاد الضمير إليه، هذا وقال الجمل: جملة: {نُوحِيهِ} مستأنفة، وقال أبو البقاء: {مِنْ أَنْباءِ} متعلقان بالفعل بعدهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من الضمير المنصوب. ولا أؤيد ما قالا.

<<  <  ج: ص:  >  >>