للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة، التي هي فاعله، والألف للتفريق. {ثِيابَهُمْ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على جواب {كُلَّما،} لا محل لها مثلها، وأيضا الجملتان: (أصروا) و (استكبروا) معطوفتان عليها، ومتعلق الفعلين محذوف كما رأيت في الشرح. {اِسْتِكْباراً:} مفعول مطلق.

{ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩)}

الشرح: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ:} إلى الإيمان بك وحدك. {جِهاراً} أي: مجاهرا بدعوتي لهم دون خوف، أو تحفظ. {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ} أي: كررت لهم الدعاء معلنا. {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً:}

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد الرجل بعد الرجل، أكلمه سرا بيني وبينه، أدعوه إلى عبادتك، وتوحيدك، ولا تنس الطباق بين {جِهاراً} و {إِسْراراً}.

قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: ذكر: أنه دعاهم ليلا، ونهارا، ثم دعاهم جهارا، ثم دعاهم في السر والعلن، فيجب أن تكون ثلاث دعوات مختلفات حتى يصح العطف، قلت: فعل عليه الصلاة والسّلام، كما يفعل الذي يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر في الابتداء بالأهون، والترقي في الأشد، فالأشد، فافتتح بالمناصحة في السر، فلما لم يقبلوا؛ ثنى بالمجاهرة، فلما لم تؤثر؛ ثلث بالجمع بين الإسرار، والإعلان. ومعنى {ثُمَّ} الدلالة على تباعد الأحوال؛ لأن الجهار أغلظ من الإسرار، والجمع بين الأمرين أغلظ من إفراد أحدهما.

انتهى. كشاف، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه، وخذ قول الفرزدق، وهو الشاهد رقم [٢٩] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الطويل]

أتغضب أن أذنا قتيبة حزّتا... جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم؟

وأيضا قول الآخر، وهو الشاهد رقم [٦٢٤] من الكتاب المذكور: [الطويل]

إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب... جهارا فكن في الغيب أحفظ للودّ

الإعراب: {إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمها. {دَعَوْتُهُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول أيضا. {جِهاراً:} فيه أوجه يجوز أن يكون مفعولا مطلقا؛ لأن الدعاء يكون جهارا، وغيره، أي: عامله من غير لفظه من باب قعد القرفصاء، وأن يكون المراد ب‍: {دَعَوْتُهُمْ} جاهرتهم، ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف، أي: دعاء جهارا، ف‍: «دعاء» مفعول مطلق، و {جِهاراً} صفة له. وأن يكون مصدرا في موضع الحال، أي: مجاهرا، أو ذا جهار، وجعل نفس المصدر مبالغة. {ثُمَّ:} حرف عطف. {إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، والياء

<<  <  ج: ص:  >  >>