الشرح:{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} أي: تنطق الألسنة في الآخرة بما قذفت في الدنيا، وهذا قبل أن يختم الله على أفواههم، كما قال تعالى في سورة (يس) رقم [٦٥]: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ..}. وبعد الختم تنطق الأيدي والأرجل بما عملت في الدنيا، كما تشهد الأسماع والأبصار والجلود على العبد بما عمل صاحبها في الدنيا، وهو ما أفادته الآية رقم [٢٠] من سورة فصلت: {حَتّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} هذا؛ وقول القرطبي، رحمه الله تعالى:«والمعنى: يوم تشهد ألسنة بعضهم على بعض بما كانوا يعملون من القذف، والبهتان» لا وجه له.
الإعراب:{يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بمتعلق (لهم) أي في الخبر المحذوف، وإنما لم يعلق ب:{عَذابٌ} وهو مصدر، وشرط عمله عند البصريين ألا يوصف، وهنا قد وصف، وأجيب عن هذا بأن الظرف يتسع فيه ما لا يتسع في غيره. {تَشْهَدُ:} مضارع. {عَلَيْهِمْ:} متعلقان به.
{أَلْسِنَتُهُمْ:} فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة:{تَشْهَدُ..}. إلخ في محل جر بإضافة {يَوْمَ} إليها. {وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ:} معطوفان على ما قبلهما. {بِما:} متعلقان بالفعل (تشهد)، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة بعدها صلتها، أو صفتها. {كانُوا:} ماض ناقص، والواو اسمه، والألف للتفريق، وجملة:{يَعْمَلُونَ} في محل نصب خبر (كان)، والمفعول محذوف، وهو العائد، أو الرابط؛ إذ التقدير: بالذي، أو: بشيء كانوا يعملونه. وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول بما بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: تشهد عليهم ألسنتهم... بعملهم. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الشرح:{يَوْمَئِذٍ} أي: يوم تشهد عليهم ألسنتهم، وهو يوم القيامة الذي لا ريب فيه، وانظر الآية رقم [٥٦] من سورة (الحج). {يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ} أي: جزاءهم الواجب. وقيل:
حسابهم العدل، وانظر شرح {الدِّينِ} في الآية رقم [٧٨] من سورة (الحج)، وانظر شرح لفظ الجلالة في الآية رقم [٣] منها. {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} أي: الموجود الظاهر الذي بقدرته وجود كل شيء. وقال البيضاوي: الثابت بذاته، الظاهر بألوهيته، لا يشاركه في ذلك غيره، ولا يقدر على الثواب، والعقاب سواه. أو ذو الحق البيّن، أي: العادل، الظاهر عدله، ومن كان هذا شأنه، ينتقم من الظالم للمظلوم لا محالة. انتهى.