وقرأ الكسائي {عَلِمْتَ} بضم التاء، وهي قراءة علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-، وروي: أنه قال: والله ما علم عدو الله، ولكن موسى هذا الذي علم، فبلغت ابن عباس-رضي الله عنهما-فأيد الفتح، واحتجّ بقوله تعالى:{وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا،} ونسب فرعون إلى العناد.
{وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً:} الظن هنا: بمعنى: اليقين بخلافه في الآية السابقة، فإنه بمعنى: الشك، بل بمعنى: الظن الخاطئ الكاذب الفاسد، والظن في الأصل: الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض. وقد نهى الله عنه بقوله:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ونهى عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «إيّاكم والظّنّ، فإنّ الظّنّ أكذب الحديث». وهذا إذا كان ظن سوء، وأما الظن الحسن فلا بأس به، بل هو ممدوح، كما ستعرفه إن شاء الله تعالى في سورة (الحجرات).
والثبور: الهلاك والخسران. وقال البيضاوي: مصروفا عن الخير، مطبوعا على الشر.
وقيل: ملعونا. وقيل: ناقص العقل. والمعتمد الأول.
الإعراب:{قالَ:} ماض، وفاعله يعود إلى موسى عليه السّلام. {لَقَدْ:} اللام: واقعة في جواب قسم محذوف، تقديره: والله. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {عَلِمْتَ:}
فعل، وفاعل، وهو معلق عن العمل لفظا. {ما:} نافية. {أَنْزَلَ:} ماض. {هؤُلاءِ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل نصب مفعول به، والهاء: حرف تنبيه، لا محلّ له {إِلاّ:} حرف حصر.
{رَبُّ:} فاعل: {أَنْزَلَ} و {رَبُّ:} مضاف، و {السَّماواتِ} مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {وَالْأَرْضِ:} معطوف على ما قبله. {بَصائِرَ:} حال، وفي عاملها قولان: أحدهما أنه {أَنْزَلَ} هذا الملفوظ به، وصاحب الحال {هؤُلاءِ} وإليه ذهب الحوفي وابن عطية، وأبو البقاء، وهؤلاء يجيزون أن يعمل ما قبل «إلا» فيما بعدها، وإن لم يكن مستثنى، ولا مستثنى منه، ولا تابعا له. والثاني: وهو مذهب الجمهور: أنّ ما بعد «إلا» لا يكون معمولا لما قبلها، فيقدر له عامل، تقديره: أنزلها بصائر، وقد تقدم نظيره في الآية رقم [٢٧] من سورة (هود) عليه السّلام. انتهى. جمل نقلا عن السمين. وجملة:{ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ..}. إلخ في محل نصب سدت مسد مفعولي {عَلِمْتَ} المعلق عن العمل لفظا بسبب النفي، وجملة:{عَلِمْتَ..}. إلخ جواب القسم المقدر، لا محل لها، والقسم وجوابه في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها، والجملة الاسمية:{وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} في محل نصب حال من تاء الفاعل على القراءتين، والرابط: الواو، والضمير، وإعرابها مثل إعراب ما قبلها في الآية السابقة.
الشرح:{فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ} أي: أراد فرعون أن يخرج بني إسرائيل من أرض مصر، أو من الأرض مطلقا بالقتل والاستئصال. وانظر الآية رقم [٧٦] والاستفزاز: