صاحبك هجاني. فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك! ولا ينطق بالشعر، ولا يقوله. فقالت:
إنك لمصدق، وولّت، وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها، وقد جئت بهذا الحجر لأرضخ به رأسه، فقال الصدّيق-رضي الله عنه-: يا رسول الله! أما رأتك؟! قال: «لا، ما زال ملك بيني وبينها، يسترني حتى ذهبت».
هذا؛ واعتصامه صلّى الله عليه وسلّم بالقرآن الكريم ثابت، ومشهور، ففي ليلة الهجرة أمر ابن عمه عليا -رضي الله عنه-أن ينام في فراشه، وخرج عليه الصلاة والسلام من بين صفوف المحاصرين بيته، وهو يقرأ الآيات من صدر سورة (يس)، فأعمى الله أبصارهم عنه، وأخذ حفنة من تراب في يده ونثرها على رءوسهم، فلم يبق منهم رجل، إلا وقد وضع على رأسه ترابا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب، وتركهم في طغيانهم يعمهون.
أما (بين) فهو ظرف مكان بمعنى: وسط بسكون السين، تقول: جلس بين القوم، كما تقول: جلس وسط القوم. هذا؛ و (البين): الفراق والبعاد، وهو أيضا: الوصل، فهو من الأضداد، كالجون يطلق على الأسود والأبيض، ومن استعماله بمعنى: الوصل ما قرئ به في سورة (الأنعام) الآية رقم [٩٤]: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} حيث قرئ برفعه، ومن استعماله بمعنى:
الفراق والبعاد قول كعب بن زهير-رضي الله عنه-في قصيدة البردة في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم: [البسيط]
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا... إلاّ أغنّ غضيض الطّرف مكحول
الإعراب: {وَإِذا:} الواو: حرف استئناف. (إذا): انظر الآية رقم [٥]. {قَرَأْتَ} فعل، وفاعل. {الْقُرْآنَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة إذا إليها.. إلخ. {جَعَلْنا:}
فعل، وفاعل. {بَيْنَكَ:} ظرف مكان متعلق بما قبله. وقيل: متعلق بمحذوف مفعول ثان، ولا وجه له، والكاف في محل جر بالإضافة. {وَبَيْنَ:} معطوف على ما قبله، وهو مضاف، و {الَّذِينَ} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة، وجملة: {لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} صلة الموصول، لا محل لها. {حِجاباً:} مفعول به. {مَسْتُوراً:} صفة له، وجملة: {جَعَلْنا..}.
إلخ جواب (إذا) لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له.
{وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦)}
الشرح: {وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً:} أغطية، جمع: كنان، وهو: الوعاء المحيط بالشيء، وهو غير «الكن» بكسر الكاف، فإنه يجمع على: أكنان، انظر الآية رقم [٨١] من سورة (النحل).
وانظر الفقه ومعانيه في الآية رقم [٤٤]. {وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً:} الوقر: الصمم في الأذن، وهو بفتح