للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَاِنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاِصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧)}

الشرح: {يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ:} تكميلا لنفسك؛ أي: إذا قمت بها على الوجه الأكمل من المحافظة على طهارتها وأدائها في أوقاتها، والمحافظة على إتمام شروطها، وأركانها، وآدابها؛ فإنها تكون سببا لتأديبك، وتهذيبك، وقربك من ربك. {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ:} وهو ما استحسنه الشرع، وأجمعت العقول السليمة على حسنه. {وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ:} وهو ما استقبحه الشرع، وأجمعت العقول السليمة على قبحه، وكذلك الفطرة السليمة تنفر منه، وتأباه. {وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ:} يجوز أن يكون عاما في كل ما يصيبه من المحن، والمتاعب في نفسه، وولده وماله، وأن يكون خاصا بما يصيبه فيما يأمر به من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من أذى من يدعوهم إلى الخير، وينهاهم عن الشر.

{إِنَّ ذلِكَ:} الإشارة إلى: إقام الصلاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على أنواع البلاء. {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أي: مما عزمه الله، وأمر به. وقطعه قطع إيجاب وإلزام.

ومنه قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل». أي: لم يقطعه ويجزم به بالنية، ومنه قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله يحب أن يؤخذ برخصه، كما يحب أن يؤخذ بعزائمه». وقولهم:

عزمة من عزمات ربنا. ومنه: عزمات الملوك، وذلك أن يقول الملك لمن تحت يده: عزمت عليك إلا فعلت كذا؛ إذا قال ذلك؛ لم يكن للمعزوم عليه بد من فعله، ولا مندوحة في تركه.

وحقيقته: أنه من تسمية المفعول بالمصدر، وأصله من معزومات الأمور، أي: مقطوعاتها، ومفروضاتها. ويجوز أن يكون مصدرا في معنى الفاعل، أصله من: عازمات الأمور، من قوله تعالى: {فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ} كقولك: جد الأمر، وصدق القتال. وناهيك بهذه الآية مؤذنة بقدم هذه الطاعات، وأنها كانت مأمورا بها في سائر الأمم، وأن الصلاة لم تزل عظيمة الشأن، سابقة القدم على ما سواها، موصى بها في الأديان كلها. انتهى. كشاف بتصرف.

هذا؛ والفعل الثلاثي المبدوء بالهمزة: «أخذ، وأمر، وأكل» تحذف منه في الأمر الهمزة الأصلية، وهي همزة قطع، وهمزة الوصل التي يتوصل بها إلى النطق بالساكن، فتقول: خذ، ومر، وكل، وإنما تحذف الهمزتان تخفيفا لاجتماع الضمات، وقد قالوا: اؤمر، وأؤخذ، فاستعمل على الأصل، ومنه: «اؤمر» في هذه الآية، وفي الآية رقم [١٣٢] من سورة (طه)، والآية رقم [١٤٤] من سورة (الأعراف).

الإعراب: {يا بُنَيَّ:} انظر الآية رقم [١٣]. {أَقِمِ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره:

«أنت». {الصَّلاةَ:} مفعول به. {وَأْمُرْ:} الواو: حرف عطف. (اؤمر): فعل أمر، وفاعله

<<  <  ج: ص:  >  >>