للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)}

الشرح: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}: قال الخازن: لما ذكر الله المؤمنين نعمه عليهم؛ أي:

في الآية رقم [٢٦] ذكر نبيه صلّى الله عليه وسلّم نعمه عليه فيما جرى له بمكة من قومه؛ لأن هذه السورة مدنية، وهذه الواقعة كانت بمكة قبل الهجرة، والمعنى: واذكر يا محمد إذ يمكر بك الذين كفروا.

انتهى. {لِيُثْبِتُوكَ}: بالوثاق، أو بالحبس، أو الإثخان بالجرح، من قولهم: ضربه حتى أثبته لا حراك به، ولا براح، وقرئ الفعل بتشديد الباء، وقرئ: «(وليبيتوك)» من البيات، و «(ليقيدوك)».

{أَوْ يَقْتُلُوكَ}: بسيوفهم. {أَوْ يُخْرِجُوكَ}: من مكة، وذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار، ومتابعتهم للرسول صلّى الله عليه وسلّم فزعوا، واجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره، فدخل عليهم إبليس في صورة رجل هرم، وقال: أنا شيخ من نجد، سمعت بالذي اجتمعتم له، فأردت أن أحضركم، ولن تعدموا مني رأيا ونصحا، فأذنوا له بالدخول.

فقال أبو البختري: أرى أن تحبسوه في بيت، وتسدوا منافذه، غير كوة، تلقون إليه طعامه وشرابه منها حتى يموت، فقال الشيخ: بئس الرأي هذا، يأتيكم من يقاتلكم من قومه، ويخلصه من أيديكم، فقال هشام بن عمرو: أرى أن تحملوه على جمل فتخرجوه من أرضكم، فلا يضركم ما صنع، فقال إبليس: بئس الرأي؛ يفسد قوما غيركم، ويقاتلكم بهم، فقال أبو جهل: أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاما جلدا، وتعطوه سيفا صارما، فيضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم، فإذا طلبوا العقل؛ عقلناه، أي: أدينا ديته، فقال إبليس الخبيث، هذا هو الرأي السديد، والقول الحميد! وتفرقوا على ذلك، فأخبر جبريل عليه السّلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم بذلك، وأمره بالهجرة، فبيت ابن عمه عليا رضي الله عنه في فراشه، ودعا الله أن يعمي عليهم أمره، فطمس الله على أبصارهم، فخرج من بين صفوفهم، ووضع التراب على رءوسهم، وهو يقرأ قوله تعالى: {إِنّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ} .. إلى قوله: {فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} من سورة (يس).

فلما أصبحوا؛ خرج عليهم علي كرم الله وجهه، فعلموا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد فات ونجا، وخرج مع أبي بكر-رضي الله عنه-وتوجها إلى غار ثور. {وَيَمْكُرُونَ}: المكر: تدبير الأمر في خفية، وهو أيضا: احتيال وخداع. {وَيَمْكُرُ اللهُ}: يردّ الله مكرهم، ويجازيهم عليه، هذا؛ والله منزه عن المكر بالمعنى المذكور، واستعمال العقاب والجزاء بلفظ المكر إنما هو من باب المشاكلة وقد مر معنا كثير من هذا، انظر الآية رقم [١٤٢] من سورة (النساء). وانظر {خَيْرُ} في الآية رقم [١٢] الأعراف ومعنى {خَيْرُ الْماكِرِينَ}: أقواهم؛ لأنه سينتقم منهم، وفيه تنبيه على أن

<<  <  ج: ص:  >  >>