نجاة عما تحذرون في الدارين. انتهى. وقال القرطبي: فإذا اتقى العبد ربه، فاتبع أوامره، واجتنب نواهيه، وترك الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات، وشحن قلبه بالنية الخالصة، وجوارحه بالأعمال الصالحة، وتحفظ من شوائب الشرك الخفي والظاهر بمراعاة غير الله في الأعمال، والركون إلى الدنيا بالعفة عن المال، جعل الله له بين الحق والباطل فرقانا، ورزقه فيما يريد من الخير إمكانا. انتهى. {وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ}: يمحوها. {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} أي: ذنوبكم؛ أي: بالتجاوز والعفو عنكم، قيل: السيئات: الصغائر، والذنوب: الكبائر، انظر الآية رقم [١٩٣] آل عمران، وقيل: المراد ما تقدم، وما تأخر؛ لأنها في أهل بدر، وقد غفرهما الله لهم، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«وما يدريك لعلّ الله اطّلع على أهل بدر، فقال:
اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم».
{وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}: تنبيه على أن ما وعده لهم على التقوى إنما هو تفضل منه وإحسان، وأنه ليس مما يوجبه تقواهم كالسيد إذا وعد عبده إنعاما على عمل، قال الجلال:
والآية نزلت في توبة أبي لبابة، ولم يقل به أحد غيره، والأولى التعميم لأهل بدر، وهي تشمل كل من اتقى الله إلى يوم القيامة؛ لأن خصوص السبب لا يمنعه. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الإعراب:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} انظر إعراب هذه الجملة في الآية رقم [٢٠]. {إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً} إعراب هذه الجملة مثل إعراب: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا..}. إلخ في الآية رقم [١٩] والجملة الشرطية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية كالجملة الندائية قبلها. {وَيُكَفِّرْ}: مضارع معطوف على جواب الشرط، مجزوم مثله، ويجوز فيه الرفع والنصب، كما رأيت في الآية رقم [٢٨٣](البقرة)، وهو مقرر في القواعد النحوية كما يلي:(إذا عطف مضارع بالواو أو بالفاء على فعل الشرط، يجوز جزمه ونصبه، وإذا عطف على الجواب مضارع بالواو أو بالفاء يجوز جزمه ونصبه ورفعه) فالنصب على إضمار: أن، والرفع على الاستئناف، ولكن لم أر من تعرض للقراءة على هذين الوجهين، والفاعل يعود إلى {اللهَ}. {عَنْكُمْ}: متعلقان بالفعل قبلهما. {سَيِّئاتِكُمْ}:
مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم، والكاف في محل جر بالإضافة. {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} معطوف، وقل فيه مثل ما قلت بسابقه. {وَاللهُ}: مبتدأ.
{ذُو}: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة لأنه من الأسماء الستة، و {ذُو}:
مضاف، و {الْفَضْلِ}: مضاف إليه. {الْعَظِيمِ}: صفته، والجملة الاسمية في محل نصب حال من فاعل الفعل المستتر والرابط: الواو وإعادة الاسم الكريم بلفظه، هذا؛ وإن اعتبرت الجملة الاسمية مستأنفة فلست مفندا.