للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: ما السبب في تخصيص هذه الأعضاء الثلاثة بالذكر مع أن الحواس خمسة:

وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس؟ أجيب بأن الذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه؛ لأن إدراك الذوق إنما يتأتى حينما يصير طرف اللسان مماسا لجرم الطعام، وكذلك الشم لا يتأتى حتى يصير الأنف مماسا لجرم المشموم، فكانا داخلين في جنس اللمس. انتهى. جمل. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: المراد من شهادة الجلود: شهادة الفروج، وهو من باب الكنايات.

هذا؛ وفي كيفية هذه الشهادة ثلاثة أقوال: أولها: أن الله تعالى يخلق الفهم، والقدرة، والنطق في هذه الجوارح، فتشهد كما يشهد الرجل على ما يعرفه. ثانيها: أن الله تعالى يخلق في تلك الأعضاء الأصوات، والحروف الدالة على تلك المعاني. ثالثها: أن يظهر في تلك الأعضاء أحوال تدل على صدور تلك الأعمال من ذلك الإنسان. وتلك الأمارات تسمى: شهادات، كما يقال: العالم يشهد بتغيرات أحواله على حدوثه. انتهى. جمل نقلا عن الخطيب. ثم قال:

وفي الكرخي: بأن ينطقها الله تعالى كإنطاق اللسان، فتشهد، وليس نطقها بأغرب من نطق اللسان عقلا، وإيضاحه: أن البنية ليست شرطا للحياة، والعلم، والقدرة، فالله تعالى قادر على خلق العقل، والقدرة، والنطق في كل جزء من أجزاء هذه الأعضاء. انتهى. والله أعلم.

الإعراب: {حَتّى:} حرف ابتداء. {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {ما:} صلة.

{جاؤُها:} فعل ماض، وفاعله، ومفعوله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على المرجوح المشهور. {شَهِدَ:} فعل ماض. {عَلَيْهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما.

{سَمْعُهُمْ:} فاعله، وما بعده معطوف عليه، والهاء في محل جر بالإضافة. {بِما:} جار ومجرور متعلقان بالفعل {شَهِدَ} وباقي الإعراب مثل: {بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} في الآية رقم [١٧].

وجملة: {شَهِدَ..}. إلخ جواب {إِذا} لا محل لها، و (إذا) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له. هذا؛ ويعتبر الأخفش {إِذا} في مثل هذه الآية مجرورة ب‍: {حَتّى،} وقد رده ابن هشام في المغني، وعلى كلّ، فهي غاية لمحذوف، التقدير: حشروا حتى إذا جاؤوها.

{وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١)}

الشرح: {وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ:} المراد جميع الأعضاء؛ التي تشهد عليهم، فالمراد: المعنى الأعم، والتعبير بالماضي عن المستقبل إنما هو لتحقق الوقوع، وقد ذكرته لك مرارا. {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا} هذا سؤال توبيخ، وتعجيب من هذا الأمر الغريب؛ لكونها ليست مما ينطق،

<<  <  ج: ص:  >  >>