للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكونها كانت في الدنيا مساعدة لهم على المعاصي، فكيف تشهد الآن عليهم، فلذلك استغربوا شهادتها، وخاطبوها بصيغة خطاب العقلاء؛ لصدور ما يصدر من العقلاء عنها، وهو الشهادة المذكورة. انتهى. جمل.

{قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي..}. إلخ: أي: من الحيوان، والمعنى: أن نطقنا ليس بعجيب من قدرة الله؛ الذي قدر على إنطاق كل حيوان. ولا تنس: أن جمع ضمائر هذه الأعضاء جمع المذكر السالم إنما هو لمخاطبتها، وجوابها مثل العقلاء. {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي: ركب فيكم الحياة بعد أن كنتم نطفا في الأصلاب، فمن قدر على ذلك؛ قدر على أن ينطق الجلود وغيرها من الأعضاء. {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي: وإليه وحده تردون بعد موتكم بالبعث، والحشر، والنشور.

هذا؛ وقد قال ابن كثير: هذا حال الكفار، والمنافقين يوم القيامة حين ينكرون ما اجترموه في الدنيا، ويحلفون ما فعلوه، فيختم الله على أفواههم، ويستنطق جوارحهم بما عملت، فقد روى مسلم-رحمه الله-في صحيحه عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: «أتدرون ممّ أضحك؟». قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: «من مخاطبة العبد ربّه يوم القيامة، يقول: ربّ ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى، فيقول: إنّي لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي! فيقول الله تبارك وتعالى: كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، وبالكرام الكاتبين شهودا، فيختم الله على فيه، ويقول لأركانه: انطقي! فتنطق بأعماله، ثم يخلّى بينه وبين الكلام، فيقول: بعدا لكنّ، وسحقا! فعنكنّ كنت أناضل».

وفي رواية أخرى لمسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه-وهو حديث يوم القيامة الطويل، وفيه: ثمّ يقال له: «الآن نبعث عليك شاهدنا، ويتفكّر في نفسه من ذا الذي يشهد عليه؟ فيختم الله على فيه، ويقول لفخذه، ولحمه، وعظامه: انطقي، فينطق فخذه، ولحمه، وعظامه بعمله؟ وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه». انتهى. قرطبي، وابن كثير.

ثم قيل في سبب الختم أربعة أوجه: أحدها: لأنهم يقولون: {وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ} رقم [٢٣] من سورة (الأنعام) فختم الله على أفواههم؛ حتى تنطق جوارحهم. قاله أبو موسى الأشعري-رضي الله عنه-. الثاني: ليعرفهم أهل الموقف، فيتميزون منهم. قاله ابن زياد.

الثالث: لأن إقرار غير الناطق أبلغ في الحجة من إقرار الناطق؛ لخروجه مخرج الإعجاز؛ وإن كان يوما لا يحتاج إلى إعجاز. الرابع: ليعلم: أن أعضاءه التي كانت أعوانا في حقه، صارت عليه شهودا في حق ربه، انتهى.

الإعراب: {وَقالُوا:} الواو: حرف عطف. (قالوا): ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق. {لِجُلُودِهِمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {لِمَ} اللام: حرف جر. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل جر باللام، والاستفهام للتوبيخ، والتأنيب، وحذفت ألف

<<  <  ج: ص:  >  >>