الشرح:{وَاللهُ خَلَقَكُمْ} أي: أوجدكم من العدم، وأخرجكم إلى الوجود، ولم تكونوا شيئا.
{ثُمَّ يَتَوَفّاكُمْ} أي: يميتكم بقبض أرواحكم بآجال مختلفة، صبيانا، أو شبانا، أو كهولا، كما هو مشاهد لكل إنسان. {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} أي: أخسّه، وأردئه، وهو سن الهرم، والشيخوخة الذي يشابه الطفولية في نقصان العقل، وضعف الحواس. {لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً:}
فيصير إلى حالة شبيهة بحال الطفولية في النسيان، وسوء الفهم، وضعف الحواس، والعجز.
فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والهرم، والبخل. وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات». متفق عليه، وفي حديث سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:«وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر». الحديث أخرجه البخاري.
هذا-وقد قال ابن عباس-رضي الله عنهما-ليس هذا في المسلمين؛ لأن المسلم لا يزداد في طول العمر والبقاء إلا كرامة عند الله، وعقلا، ومعرفة. وقال عكرمة-رضي الله عنه-: من قرأ القرآن؛ لم يردّ إلى أرذل العمر حتى لا يعلم بعد علم شيئا. وقال ابن عباس في قوله تعالى:
{ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ} يريد الكافر، ثم استثنى المؤمنين، فقال تعالى:{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} سورة (التين). هذا؛ وانظر نص الآية رقم [٥] من سورة (الحج).
أقول: فمن المشاهد أن هناك أناسا ردّوا إلى أرذل العمر، وقد حفظ الله عليهم عقولهم وقواهم وحواسهم وتصرفاتهم، وهم في الأغلب من أهل التقى والإيمان الذين حاسبوا أنفسهم على ما يعملون، وراقبوا ربهم في كل ما يصنعون، فلم تشغلهم الفانية عن الباقية، بل امتثلوا، أوامر الله في كل ما أمر، وفي كل ما زجر عنه، وتتبعوا خطوات الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فاهتدوا بهديه، وساروا على نهجه، واقتدوا بأعماله، وتخلقوا بأخلاقه:{لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً}.
الإعراب:{وَاللهُ:} الواو: حرف استئناف. (الله): مبتدأ. {خَلَقَكُمْ:} ماض، وفاعله يعود إلى (الله)، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {ثُمَّ:} حرف عطف. {يَتَوَفّاكُمْ:} مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى (الله)، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها. {وَمِنْكُمْ مَنْ:} انظر إعراب {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ} في الآية رقم [٣٦] ففيه الكفاية لذوي الدراية. {يُرَدُّ:} مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود