والمراد ب {الرِّفْدُ} في الآية الكريمة العون و {الْمَرْفُودُ} المعان، والمراد بالأول: اللعنة الأولى، وبالثاني: اللعنة الثانية، وهذا استعارة كما في الآية السابقة، وهو تهكم به واستهزاء، وإلا فاللعنة إذلال لهم، وإنزال بهم إلى الحضيض الأسفل من النار، وأردفت الأولى بالثانية ليكونا هاديين لهم إلى طريق الجحيم، بل إلى سواء الجحيم.
الإعراب:{وَأُتْبِعُوا}: الواو: حرف استئناف. (أتبعوا): ماض مبني للمجهول، والواو نائب فاعله، وهو المفعول الأول، والألف للتفريق. {فِي هذِهِ}: متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء حرف تنبيه لا محل له. {لَعْنَةً}: مفعول به ثان. (يوم): ظرف زمان معطوف على محل: {فِي هذِهِ} فهو متعلق ضمنا بالفعل: (أتبعوا)، و (يوم) مضاف، و {الْقِيامَةِ}: مضاف إليه، وجملة:
{وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها، ومثلها جملة:{بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} وإعرابها مثل إعراب ما قبلها بلا فارق.
الشرح:{ذلِكَ}: الإشارة إلى ما تقدم ذكره من أخبار الأمم المذكورة في هذه السورة.
{مِنْ أَنْباءِ الْقُرى}: من أخبار القرى التي أهلكها الله تعالى، هذا؛ والقرى: جمع قرية، وهي في الأصل اسم للمكان الذي يجتمع فيه القوم، وهو يطلق على المدينة الكبيرة وغيرها، كيف لا؟ وقد جعل الله مكة المكرمة أم القرى، قال:{وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها}. {نَقُصُّهُ عَلَيْكَ}:
نخبرك به؛ لتخبر قومك أخبار الأمم السابقة، لعلهم يعتبرون به، فيهتدون إلى الإيمان، هذا؛ والقصص: تتبع الأثر، يقال: قص فلان أثر فلان، أي: تتبعه؛ ليعرف أين ذهب، ومنه قوله تعالى حكاية عن قول أم موسى:{وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أي: اتبعي أثره، وإنما سميت الحكاية قصة؛ لأن الذي يقص الحديث، يذكر تلك القصة شيئا فشيئا. {مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ}: قال قتادة: القائم ما كان خاويا على عروشه، والحصيد ما لا أثر له، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: القائم العامر، والحصيد الخراب، أي: محصود كالزرع، قال الشاعر في المعنى، والإعراب مثل الآية الكريمة:[الكامل]
والنّاس في قسم المنيّة بينهم... كالزّرع منه قائم وحصيد
وفي:{قائِمٌ وَحَصِيدٌ} استعارة تبعية؛ لأن المستعار اسم مشتق، اسم فاعل واسم مفعول.
وجمع حصيد: حصدى، وحصاد، مثل مرضى، ومراض، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه، وانظر ما ذكرته في الآية [٤٩].