للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاُذْكُرُوا اِسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاِتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤)}

الشرح: {يَسْئَلُونَكَ..}. إلخ: انظر الآية رقم [٢١٨] من سورة (البقرة) فالبحث فيها جيد.

والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم والسائل هم المؤمنون، فإنّ الله-عزّ وجلّ-لمّا بين المحرّم عليهم؛ سألوه عن الحلال لهم. والحلال ضدّ الحرام، وقال القرطبيّ-رحمه الله تعالى-: نزلت الآية بسبب عديّ بن حاتم، وزيد بن مهلهل، وهو زيد الخيل الّذي سمّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زيد الخير، قالا: يا رسول الله! إنّا قوم نصيد بالكلاب والبزاة، وإنّ الكلاب تأخذ البقر، والحمر، والظباء، فمنه ما ندرك ذكاته، ومنه ما تقتله، فلا ندرك ذكاته، وقد حرّم الله الميتة، فماذا يحلّ لنا؟ فنزلت الآية الكريمة. انتهى.

{قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ:} المستلذّات، وكلّ ما تستطيبه العرب، وتستلذّه من غير ما ورد بتحريمه نصّ من كتاب، أو سنّة، والعبرة في الاستطابة، والاستلذاذ بأهل المروءة، والأخلاق الجميلة، فإنّ أهل البادية منهم من يستطيبون أكل جميع الحيوانات، فلا عبرة بهم. {وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ} أي: وأحلّ صيد ما علّمتم من الجوارح، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. والجوارح: جمع جارحة، وهي الكواسب من السباع، والطير، كالفهد، والنمر، والكلب، والبازي... إلخ، سميت جوارح من الجرح؛ لأنّها تجرح الصيد عند إمساكه، وقيل:

سمّيت جوارح؛ لأنّها تكسب، والجوارح: الكواسب من: جرح، واجترح: إذا اكتسب، ومنه قوله تعالى في سورة (الأنعام): {وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ}. وفي سورة (الجاثية): {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ}. ومعنى {مُكَلِّبِينَ:} معلّمين، ومؤدّبين. {تُعَلِّمُونَهُنَّ:} تعلمون الجوارح الاصطياد. {مِمّا عَلَّمَكُمُ} أي: من العلم الذي علّمكم الله. ففي الآية الكريمة دليل على أنّه لا يجوز صيد جارحة ما لم تكن معلّمة، وصفة التعليم: أن يعلم الرّجل جارحة الصيد، وذلك بأن يوجد فيها أمور: أن تسترسل؛ إذا أرسلت، وتنزجر؛ إذا انزجرت، وإذا أخذت صيدا؛ لم تأكل منه شيئا، وأن لا ينفر منه؛ إذا أراده، وأن يجيبه؛ إذا دعاه. فهذا هو تعليم الجوارح.

فعن عدي بن حاتم-رضي الله عنه-قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: إنّا قوم نصيد بهذه الكلاب، فقال: «إذا أرسلت كلبك المعلّم، وذكرت اسم الله عليه؛ فكل ممّا أمسك عليك، إلاّ أن يأكل الكلب؛ فلا تأكل، فإنّي أخاف أن يكون إنّما أمسك على نفسه. وإن خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها، فأمسكن، وقتلن؛ فلا تأكل، فإنّما سمّيت على كلبك، ولم تسمّ على غيره». متفق عليه. وقال-رضي الله عنه-: وسألته عن المعراض، فقال: «إذا أصبت بحدّه؛ فكل، وإذا أصبت بعرضه، فقتل، فإنّه وقيذ؛ فلا تأكل».

<<  <  ج: ص:  >  >>