للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ اِئْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢)}

الشرح: {قالُوا}: القائل هو النضر المذكور في الآية السابقة حكاه مجاهد وابن جبير، وقيل: هو أبو جهل حكاه عنه أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين، والمعتمد الأول. إذ روي أن النضر لما قال {إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ..}. قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ويلك إنه كلام الله».

فقال {اللهُمَّ إِنْ..}. إلخ. {اللهُمَّ}: أصله يا الله، فحذفت يا النداء، وعوض عنها الميم المشددة في الآخر، ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه، إلا في الضرورة الشعرية، وهذا الحذف والتعويض من خصائص الاسم الكريم، كدخول «يا» عليه مع لام التعريف، وقطع همزته، وتاء القسم. {الْحَقَّ}: قراءة الجمهور النصب، وقرأ الأعمش، وزيد بن علي برفعه، وانظر شرحه في الآية رقم [٣٣] من سورة (الأعراف). {فَأَمْطِرْ}: انظر الآية رقم [٨٤] الأعراف. {حِجارَةً مِنَ السَّماءِ} أي: كالحجارة التي أمطرت على قوم لوط، {اِئْتِنا}: انظر الآية رقم [٣٥] (الأعراف) وانظر {اِئْذَنْ} في الآية رقم [٥٠] من سورة (التوبة) تجد ما يسرك، والمراد مثل ما عذبت به الأمم الماضية. وما قاله النضر تهكم واستهزاء وإيهام أنه على بصيرة وجزم ببطلانه، وفيه نزل قوله تعالى: {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ}.

تنبيه: حكي: أن يهوديّا لقي عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-فقال اليهودي: ممن أنت؟ قال: من قريش، فقال: أنت من القوم الذين قالوا: {اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ..}. إلخ؟ فهلا عليهم أن يقولوا: إن كان هذا هو الحق، فاهدنا له! إن هؤلاء قوم يجهلون. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: وأنت يا إسرائيلي من القوم الذين لم تجف أرجلهم من بلل البحر الذي أغرق الله فيه فرعون وقومه، وأنجى موسى وقومه، حتى قالوا:

{اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ} فقال لهم موسى: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} فأطرق اليهودي مفحما، وانظر الآية رقم [١٣٨] من سورة (الأعراف).

تنبيه: روي أن معاوية بن أبي سفيان قال لرجل من سبأ: ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة! قال: أجهل من قومي قومك حيث قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين دعاهم إلى الإسلام: {اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ..}. إلخ ولم يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق..

فاهدنا إليه، وهذا من الأجوبة المسكتة.

الإعراب: {وَإِذْ}: الواو: حرف عطف. (إذ): معطوفة على مثلها في الآية رقم [٣٠].

{قالُوا}: فعل وفاعل، والألف للتفريق. {اللهُمَّ}: منادى مفرد علم مبني على الضم في محل نصب ب‍ (يا) المحذوفة، والمعوض عنها الميم المشددة في الآخر. {إِنْ}: حرف شرط جازم.

<<  <  ج: ص:  >  >>