الشرح:{زُيِّنَ لِلنّاسِ..}. إلخ: حسّنت في أعينهم، وأشربت محبتها في قلوبهم، حتى تهالكوا عليها، وأعرضوا عن غيرها. والمزين في الحقيقة هو الله تعالى؛ إذ ما من شيء إلا هو فاعله، وكلّ من الشيطان، والقوة الحيوانية، وما خلقه الله فيها من الأمور البهيمية، والأشياء الشهية مزيّن بالعرض. انتهى بيضاوي.
هذا؛ وفي كثير من الآيات:{زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ}. وفي كثير منها إسناد الفاعل إلى الله، مثل قوله تعالى:{زَيَّنّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ}. وفي كثير {زُيِّنَ} بالبناء للمجهول، والمزيّن في الحقيقة هو الله تعالى عند أهل السنة، وإنما جعل الشيطان آلة بإلقاء الوسوسة في قلوب العباد، وليس له قدرة أن يضل، أو يهدي أحدا، وإنما له الوسوسة فقط ممّن أراد الله، وقدر شقاوته سلطه عليه؛ حتى يقبل وسوسته. وهذا مبني على أنّ العبد لا يخلق أفعال نفسه، وإنما يخلقها الله تعالى، كما قال:{وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ}.
وأما المعتزلة؛ فيسندون الوسوسة، والتزيين إلى الشيطان حقيقة، وهذا مبنيّ على اعتقادهم:
أنّ العبد يخلق أفعال نفسه، وهو مبني على القاعدة الفاسدة في إيجاب رعاية الصلاح، والأصلح للعبد، وامتناع أن يخلق الله تعالى للعبد إلا ما هو مصلحة له، فمن ثم اعتبروا التزيين من الله تعالى مجازا، ومن الشيطان حقيقة، ولو عكسوا الجواب؛ لفازوا بالصواب، وإلى الله المرجع والمآب. وتزيين الله للابتلاء، وليتبيّن عبد الشهوة من عبد المولى، وهو ظاهر قول عمر -رضي الله عنه-: (اللهمّ لا صبر لنا على ما زيّنت لنا، إلاّ بك).
وقوله تعالى في كثير من الآيات:{يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ} دليل واضح، وصريح:
أنّ الله هو الفاعل المختار، فالمعتزلة تقول: العبد يخلق أفعال نفسه، والجبرية تقول: ليس للعبد كسب، بل هو مجبور كالريشة المعلّقة في الهواء، تقلبها الرياح كيف شاءت، فالمعتزلة فرّطوا، والجبرية أفرطوا، وتوسط أهل السّنّة، وخير الأمور أواسطها؛ حيث قالوا: ليس للعبد في أفعاله الاختيارية إلا الكسب، فليس مجبورا كما تقول الجبرية، وليس خالقا لها كما تقول المعتزلة، فخرج مذهبهم من بين فرث، ودم خالصا سائغا للشاربين. قال أحد الجبريّة موردا على أهل السنة:[البسيط]
ما حيلة العبد والأقدار جارية... عليه في كلّ حال أيّها الرّائي؟