للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألقاه في اليمّ مكتوفا، وقال له: ... إيّاك إيّاك أن تبتلّ في الماء

فأجابه بعض أهل السنة بقوله: [البسيط]

إن حفّه اللّطف لم يمسسه من بلل... ولم يبال بتكتيف وإلقاء

وإن يكن قدّر المولى بغرقته... فهو الغريق ولو ألقي بصحراء

{حُبُّ الشَّهَواتِ:} المشتهيات، سماها الله شهوات مبالغة، وإيماء إلى أنهم انهمكوا في محبتها، حتّى أحبوا شهوتها. وحركت الهاء بالفتح فرقا بين الاسم، والنعت، ومفردها: شهوة، واتباع الشهوات مرد، وطاعتها مهلكة. وأخرج مسلم-رحمه الله تعالى-عن أنس-رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «حفّت الجنّة بالمكاره، وحفّت النّار بالشّهوات» والمعنى: أنّ الجنة لا تنال إلا بطاعة الله؛ وإن كان ثقيلة على النفس، وأنّ النار لا ينجى منها إلا بترك المحرّمات؛ التي تشتهيها النفس وعبّر الله عن المشتهيات بالشّهوات مبالغة، كأنّها نفس الشهوات، وتنبيها على خسّتها؛ لأنّ الشهوات مسترذلة عند العقلاء.

{مِنَ النِّساءِ:} بدأ الله بذكر النساء من المشتهيات؛ لأنّ الالتذاذ بهن أكثر، والاستئناس بهن أتمّ، ولأنهنّ حبائل الشيطان، وأقرب إلى الافتتان بهنّ، كما ثبت في الصحيح: أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرّجال من النّساء». ففتنة النساء أعظم من جميع الأشياء.

ويقال: في النّساء فتنتان، وفي الأولاد فتنة واحدة، فأما اللّتان في النساء؛ فإحداهما أن تؤدي إلى قطع الأرحام؛ لأنّ المرأة تأمر زوجها بقطعه عن الأمهات، والأخوات. والثاني بأن يبتلى بجمع المال من الحلال، والحرام بسبب مطالب الزوجة، التي لا تنتهي، ولا سيما في هذا الزمن. وانظر إعلال {النِّساءِ} في الآية رقم [٦١] الآتية.

{وَالْبَنِينَ:} مفرده: ابن. وإنّما ثنّى بالبنين؛ لأنهم ثمرات القلوب، وقرّة الأعين، كما قال القائل: [السريع]

وإنّما أولادنا بيننا... أكبادنا تمشي على الأرض

لو هبّت الرّيح على بعضهم... لامتنعت عيني من الغمض

وحب البنين تارة يكون للتفاخر، والتباهي، والزينة، فهو مذموم، وتارة يكون لتكثير النّسل، وتكثير أمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم ممّن يعبد الله وحده لا شريك له، فهذا محمود ممدوح، كما ثبت في الحديث: «تزوّجوا الودود الولود، فإنّي مكاثر بكم الأمم يوم القيامة». رواه أبو داود، والنسائي عن معقل بن يسار، رضي الله عنه، ولهذا ثنّى بالبنين بعد النساء وفي حديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم:

«الولد مبخلة مجبنة محزنة» ولأنهم فروع منهنّ، وثمرات نشأت عنهنّ. وقدّموا على الأموال لأنّهم أحبّ إلى المرء من ماله. وخصّ البنون بالذكر دون البنات؛ لأن حبّ الذكر أكثر من حبّ

<<  <  ج: ص:  >  >>