للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد هذا؛ فالفرح: لذة في القلب بإدراك المحبوب؛ ولذا أكثر ما يستعمل في اللذات البدنية، وقد ذم الله الفرح في مواضع من كتابه، كقوله تعالى: {لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} وقوله:

{إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ،} ولكنه مطلق، فإذا قيد الفرح لم يكن ذما لقوله تعالى في حق الشهداء: {فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} وقال سبحانه: {فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} أي: برحمته، وجوده، وإحسانه، وقال تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ} من سورة (الروم) رقم [٤ و ٥].

الإعراب: {فَتَقَطَّعُوا:} الفاء: حرف استئناف. (تقطعوا): ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق. {أَمْرَهُمْ:} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منصوب على نزع الخافض، أي: تقطعوا في أمرهم بمعنى: تفرقوا. الثاني: هو مفعول به على معنى: قطعوا أمرهم؛ أي: فرقوا أمرهم.

الثالث: أنه تمييز. محول عن الفاعل، بمعنى: تقطع أمرهم. وهذا ضعيف؛ لأنه معرفة، وهو لا يجوز عند البصريين. والهاء في محل جر بالإضافة. {بَيْنَهُمْ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، وجملة: {فَتَقَطَّعُوا..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. {زُبُراً:} حال من {أَمْرَهُمْ} أو من واو الجماعة، أو هو مفعول ثان للفعل السابق. اعتبارات. {كُلُّ:} مبتدأ، وهو مضاف، و {حِزْبٍ} مضاف إليه. {بِما:} جار ومجرور متعلقان ب‍: {فَرِحُونَ} بعدهما، و (ما): اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء. {لَدَيْهِمْ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المنقلبة ياء؛ لا تصاله بالهاء التي هي ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {فَرِحُونَ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ، والجملة الاسمية: {كُلُّ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦)}

الشرح: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ:} هذا خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والغمرة هنا مراد بها: الحيرة، والغفلة، والضلالة، والجهالة، والغمرة في الأصل: ما يغمرك ويعلوك من ماء، ونحوه، فهي مستعارة لما في قلوبهم من كفر، ونحوه، ومنه: الغمر: الحقد؛ لأنه يغطي القلب، وهو بكسر الغين، وبفتحها: الماء الكثير؛ لأنه يغطي الأرض، وبضم الغين لمن لم يجرب الأمور، أي:

فيه غباء، أو غباوة. وغمر الرداء الذي يشمل الناس بالعطاء، قال الشاعر: [الكامل]

غمر الرّداء إذا تبسّم ضاحكا... غلقت لضحكته رقاب المال

{حَتّى حِينٍ} أي: إلى انقضاء آجالهم بالقتل، أو بالموت، فهو تهديد، ووعيد، والمعنى:

اترك يا محمد هؤلاء المعاندين يتحيرون، ويترددون في كفرهم، وطغيانهم إلى انقضاء آجالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>