فرقوا الكتب، فاتبعت فرقة الصحف، وفرقة التوراة، وفرقة الزبور، وفرقة الإنجيل، ثم حرّف الكلّ وبدّل. قاله قتادة. وقيل: المعنى: أخذ كل فريق منهم كتابا آمن به، وكفر بما سواه. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٩٣] من سورة (الأنبياء)، ففيها عظيم الفائدة.
{كُلُّ حِزْبٍ:} كل فريق، وملة. هذا؛ والحزب في اللغة: أصحاب الرجل الذين يكونون معه على مثل رأيه، وهم القوم الذين يجتمعون لأمر حزبه، يعني: أهمه، والجمع: أحزاب. {بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ:} مسرورون، معجبون به، معتقدون أنه الحق. هذا؛ وقال القرطبي: وهذه الآية مثال لقريش خاطب به محمدا صلّى الله عليه وسلّم في شأنهم متصلا بقوله: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} الآية التالية.
هذا؛ و {لَدَيْهِمْ} ظرف مكان بمعنى: عند، وهي معربة مثلها، وقد تستعملان في الزمان، وإذا أضيف «لدى» إلى مضمر كما هنا، قلبت ألفه ياء عند جميع العرب، إلا بني الحارث بن كعب، وبني خناعة، فلا يقلبونها تسوية بين الظاهر، والمضمر، ثم اعلم: أن «عند» أمكن من «لدى» من وجهين: أحدهما: أنها تكون ظرفا للأعيان، والمعاني، تقول: هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به. ويمتنع ذلك في:«لدي»، ذكره ابن الشجري في أماليه، ومبرمان في حواشيه، والثاني: أنك تقول: عندي مال (وإن كان غائبا) ولا تقول: لدي مال (إلا إذا كان حاضرا) قاله جماعة.
خاتمة: قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: هذه الآية تنظر إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّ من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملّة، وإنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنّة، وهي الجماعة». الحديث. أخرجه أبو داود، ورواه الترمذي، وزاد: قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال:«ما أنا عليه وأصحابي». أخرجه من حديث عبد الله بن عمرو، وهذا يبين: أن الافتراق المحذر منه في الآية، والحديث، إنما هو في أصول الدين، وقواعده؛ لأنه قد أطلق عليها مللا، وأخبر: أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار، ومثل هذا لا يقال في الفروع، فإنه لا يوجب تعديد الملل، ولا عذاب النار. انتهى.
أقول: إنما يعني رحمه الله تعالى المذاهب الأربعة المختلفة في بعض الأحكام، فأهل هذه المذاهب يطلق عليهم اسم أهل السنة، والجماعة؛ لأنهم هم المتمسكون بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسنّة خلفائه الراشدين، وصحابته المهتدين، بل وعاضّون عليها بالنواجذ. والحمد لله رب العالمين.
هذا؛ وأصل الفرق ستة: حرورية، قدرية، جهمية، مرجئة، رافضة، جبرية، وانقسم كل منها إلى اثنتي عشرة فرقة، فصارت اثنتين وسبعين، وإنما سموا فرقا؛ لأنهم فارقوا الإجماع.
والحديث الشريف من جملة المعجزات؛ لأنه إخبار عن غيب قد وقع بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم.