بسم الله الرّحمن الرّحيم سورة (التغابن) مدنية في قول الأكثرين. وقال الضحاك: هي مكية. وقال الكلبي: هي مكية، ومدنية. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أن سورة (التغابن) نزلت بمكة، إلا آيات من آخرها نزلت بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي حين شكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جفاء أهله، وولده، وهي قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} كما ستقف عليه، وهي ثماني عشرة آية، ومئتان وإحدى وأربعون كلمة، وألف وسبعون حرفا.
تنبيه: بل فائدة: استنبط بعضهم من قوله تعالى آخر سورة (المنافقون): {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً} عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن سورة (المنافقون) رأس ثلاث وستين سورة، وعقبت بالتغابن، إشارة لظهور التغابن بوفاته صلّى الله عليه وسلّم. انتهى. جمل نقلا من كرخي. وقال القرطبي: وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم «ما من مولود يولد إلا وفي تشابيك رأسه مكتوب خمس آيات من فاتحة سورة التّغابن».
الشرح:{يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ:} انظر أول سورة (الجمعة). {لَهُ الْمُلْكُ:}
يعني: أنه تعالى متصرف في ملكه كيف يشاء، تصرف اختصاص، لا شريك له فيه، وأما ملك غيره؛ فتوكيل منه تعالى للعبد، وأمانة. فطوبى لمن حفظ الأمانة، وقام بحقوقها! {وَلَهُ الْحَمْدُ:}
أيضا الحمد مختص به تعالى؛ لأن أصول النعم، وفروعها منه، وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده. وتقديم الجار والمجرور (له) في الجملتين دلالة على اختصاص الأمرين به تعالى من حيث الحقيقة. هذا؛ واللام مفيدة للملك الحقيقي؛ الذي هو اتساع المقدور لمن له تدبير الأمور. وانظر (الحمد) في الاية رقم [٣٦] من سورة (الجاثية). فهو جيد. {وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يعني: إنه سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، كما يشاء بلا مانع، ولا مدافع؛ لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الكل على سواء.