للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي رحمه الله تعالى: هذه الآية أصل في اتخاذ الصنائع، والأسباب، وهو قول أهل العقول، والألباب، لا قول الجهلة الأغبياء القائلين بأن ذلك شرع للضعفاء، فالسبب سنة الله في خلقه، فمن طعن في ذلك؛ فقد طعن في الكتاب والسنة، ونسب من ذكرنا إلى الضعف، وعدم المنة، وقد أخبر الله عن نبيه داود عليه السّلام: أنه كان يصنع الدروع، وكان أيضل يصنع الخوص، وكان يأكل من عمل يده، وكان آدم حراثا، ونوح نجارا، وإدريس خياطا، وطالوت دباغا، وقيل: سقاء. فالصنعة يكف بها الإنسان نفسه عن الناس، ويدفع بها عن نفسه الضرر، والبأس، ومن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يحبّ المؤمن المحترف الضعيف المتعفّف،، ويبغض السّائل الملحف». انتهى.

الإعراب: {وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ:} ماض، وفاعله، ومفعولاه، والجملة الفعلية معطوفة على جملة: (فهمناها سليمان) لا محل لها مثلها، و {صَنْعَةَ:} مضاف، و {لَبُوسٍ} مضاف إليه.

{لَكُمْ:} متعلقان بمحذوف صفة لبوس، وأجيز تعليقهما بالفعل (علّم) وب‍: {صَنْعَةَ} أيضا، والأول أقوى. {لِتُحْصِنَكُمْ:} مضارع منصوب ب‍: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل يعود إلى {لَبُوسٍ،} والكاف مفعول به، و «أن» المضمرة، والمضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل: (علمناه) أيضا، وأجيز اعتبارهما بدلا من {لَكُمْ} بإعادة الجار، وهذا على اعتبار اللام في {لَكُمْ} للتعليل. {مِنْ بَأْسِكُمْ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والكاف في محل جر بالإضافة. {فَهَلْ:} الفاء: حرف استئناف. (هل): حرف استفهام. {أَنْتُمْ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {شاكِرُونَ:} خبره مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وفاعله مستتر فيه، ومفعوله محذوف، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها.

{وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١)}

الشرح: {وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ} أي: وسخرنا لسليمان الريح، ويقرأ برفع (الريح) فيكون التقدير:

ولسليمان تسخير الريح. {عاصِفَةً:} شديدة الهبوب. والعصف: التبن، فسمى به شدة الريح؛ لأنها تعصفه بشدة، وتطيره. {تَجْرِي بِأَمْرِهِ:} تسير بإرادته، ومشيئته. {إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها:}

المراد بها بلاد الشام، انظر الآية رقم [٧١]، والمراد رجوعه من سفره رواحا إلى بلاد الشام بعد ما سارت به منها بكرة. {وَكُنّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ} أي: فنجريه على حسب ما تقتضيه الحكمة من تدبير. هذا؛ وقد ذكر الله في سورة (ص) قوله: {فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ} وفي سورة (سبأ) قوله: {غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ} رقم [١٢] انظر شرحها، ففيها كبير فائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>