قال وهب بن منبه: كان سليمان عليه السّلام إذا خرج إلى مجلسه؛ حلقت عليه الطير، وقام له الإنس، والجن؛ حتى يجلس على سريره، وكان امرأ غزّاء، قلما يقعد عن الغزو، ولا يسمع في ناحية من الأرض بملك إلا أتاه حتى يذله، وكان فيما يزعمون إذا أراد الغزو أمر بخشب فمدت، ورفع عليها الناس والدواب، وآلة الحرب، فإذا حمل معه ما يريد أمر العاصف من الريح، فدخلت تحت الخشب، فاحتملته؛ حتى إذا استقلت به؛ أمر الرخاء، فمرت به شهرا في روحته، وشهرا في غدوته إلى حيث أراد. قال وهب: ذكر لي: أن منزلا بناحية دجلة مكتوب فيه، كتبه بعض صحابة سليمان عليه السّلام، إما من الإنس، أو من الجن: نحن نزلناه، وما بنيناه، ومبنيا وجدناه، غدونا من إصطخر، فقلناه، ونحن رائحون منه إن شاء الله فنازلون بالشام. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٧] من سورة (النمل) ففيها فضل زيادة.
وقال مقاتل: نسجت الشياطين لسليمان بساطا، فرسخا في فرسخ، ذهبا في إبريسم، وكان يوضع له منبر من ذهب وسط البساط، فيقعد عليه، وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة، تقعد الأنبياء على كراسي الذهب، والعلماء على كراسي الفضة، وحولهم الناس، وحول الناس الجن والشياطين، وتظلله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس، وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح. انتهى. خازن.
هذا؛ والريح: جسم متحرك لطيف، ممتنع بلطفه من القبض عليه، يظهر للمس بحركته، ويخفى عن البصر بلطفه، وانظر الآية رقم [٦٩] من سورة (الإسراء) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
الإعراب:{وَلِسُلَيْمانَ:} الواو: حرف عطف. (لسليمان) متعلقان بفعل محذوف، أو بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف. انظر تقديرهما في الشرح، وعلامة الجر الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية، وزيادة الألف والنون. {الرِّيحَ:} مفعول به، أو هو مبتدأ مؤخر، انظر الشرح. {عاصِفَةً:} حال من الريح. {تَجْرِي:} مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى (الريح) والجملة الفعلية في محل نصب حال ثانية من (الريح) أو هي بدل من (عاصفة) أو حال من الضمير المستتر فيها، فتكون حالا متداخلة. {بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {الَّتِي:} اسم موصول لا محل لها. (كنا): ماض ناقص مبني على السكون، و (نا): اسمه، {بِكُلِّ:} متعلقان ب: {عالِمِينَ،} و (كل) مضاف، و {شَيْءٍ} مضاف إليه. {عالِمِينَ:} خبر كان منصوب... إلخ، وجملة {وَكُنّا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، أو هي مستأنفة لا محل لها على الاعتبارين.