فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا {جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} أي: إن ذلك البكاء في الآخرة معاقبة لهم على ضحكهم، وأعمالهم الخبيثة في الدنيا، وانظر (جزاء) في الآية رقم [٢٦] هذا؛ وقد كان بعض المسلمين لا يضحك في الدنيا، من شدة الخوف، وإن كان عبدا صالحا.
وهذا مأخوذ من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله تعالى، لوددت أنّي كنت شجرة تعضد». أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، وكان الصحابة يضحكون، إلا أن الإكثار منه مذموم منهي عنه، وهو من فعل السفهاء والبطالة، وإن كثرته تميت القلب، وأما البكاء من خوف الله وعقابه فمحمود، فقد روى البغوي، وابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا أيّها الناس ابكوا، فإن لم تستطيعوا أن تبكوا، فتباكوا، فإنّ أهل النار يبكون حتّى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع، فتسيل الدّماء، فتفرغ العيون، فلو أنّ سفنا أجريت فيها لجرت».
تنبيه: البكاء بالقصر: إسالة الدمع من غير رفع صوت، وبالمد: إسالة الدمع مع رفعه، قال الخليل رحمه الله تعالى: من قصر البكاء ذهب به إلى معنى الحزن، ومن مدّه ذهب به إلى معنى الصوت، قال كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه:[الوافر]
بكت عيني، وحقّ لها بكاها... وما يغني البكاء، ولا العويل
الإعراب:{فَلْيَضْحَكُوا}: الفاء: حرف استئناف. (ليضحكوا): مضارع مجزوم بلام الأمر، وعلامة جزمه حذف النون... إلخ، والواو فاعله، والألف للتفريق. {قَلِيلاً}: صفة لمفعول مطلق محذوف، التقدير: ضحكا قليلا، أو هو صفة لزمان محذوف، التقدير: زمانا قليلا، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها من الإعراب، {وَلْيَبْكُوا كَثِيراً}: مثلها، وهي معطوفة عليها لا محل لها مثلها. {جَزاءً}: مفعول لأجله، أو هو مفعول مطلق، عامله محذوف، وقيل: عامله ما قبله على المعنى. {بِما}: متعلقان ب {جَزاءً،} أو بمحذوف صفة له، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد أو الرابط. محذوف؛ إذ التقدير: جزاء بالذي، أو بشيء كانوا يكسبونه، وعلى المصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بكسبهم الأعمال الخبيثة في الدنيا، والجار والمجرور متعلقان ب {جَزاءً،} أو بمحذوف صفة له.
الشرح:{فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ}: فإن ردك الله يا محمد إلى المدينة من غزوة تبوك، وفيها جماعة من المنافقين وكانوا اثني عشر رجلا، فإن المقيمين في المدينة، لم يكونوا