للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤)}

الشرح: {قالُوا} أي: قالت أمة من الإنس صالحة مجاورة. وفي البيضاوي: قال مترجموهم. {يا ذَا الْقَرْنَيْنِ:} انظر الآية رقم [٨٣] لشرحه. {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ:} هما قبيلتان من ولد يافث بن نوح عليه السّلام. وقيل: يأجوج من الترك، ومأجوج من الجيل والديلم. {مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ:} قيل: كانوا يأكلون الناس. وقيل: كانوا يخرجون في أيام الربيع، فلا يتركون شيئا أخضر إلا أكلوه، ولا يابسا إلا احتملوه، وكانوا يلقون منهم قتلا، وأذى شديدا، وهم خلق كثير، لا يحصي عددهم إلا الله.

قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن يأجوج، ومأجوج، فقال:

«يأجوج ومأجوج أمّتان، كلّ أمة أربعمائة ألف أمة، كلّ أمّة لا يعلم عددها إلا الله، لا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف ذكر من صلبه، كلّهم قد حمل السّلاح». وقيل: هم على صنفين: طوال مفرطو الطول، وقصار مفرطو القصر. وقد ذكر القرطبي، والخازن الكثير من صفاتهم، وأحوالهم.

وبالجملة: هم نادرة عجيبة في ذرية آدم عليه السّلام. هذا؛ وقرئ: «(ياجوج ومأجوج)» بدون همز.

{فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً:} وقرئ: «(خراجا)»، وهما بمعنى: جعلا، وقسما من أموالنا نقدمه إليك، وهو في الآية [٧٢] من سورة (المؤمنون) بمعنى: الأجر، والإثابة على عمل ما. {عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} أي: حاجزا منيعا، يحول بيننا وبينهم، فلا يصلون إلينا. ف‍: {عَلى} بمعنى:

لام التعليل هنا وقرئ بضم السين، وهما لغتان. وقيل: المضموم لما خلقه الله تعالى، والمفتوح لما عمله الناس.

قال القرطبي: ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرءوا {سَدًّا} بالفتح، وقبله. {بَيْنَ السَّدَّيْنِ} بالضم. وقال أيضا: في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون، وحبس أهل الفساد فيها، ومنعهم من التصرف لما يريدون، ولا يتركون وما هم عليه، بل يوجعون ضربا، ويحبسون، أو يكلفون ويطلقون، كما فعل عمر-رضي الله عنه-.

فائدة: قال بعضهم: مسافة الأرض بتمامها خمسمائة عام، ثلاثمائة منها بحار، ومائة وتسعون مسكن يأجوج ومأجوج، وتبقى عشرة، سبعة للحبشة، وثلاثة لجملة الخلق غيرهم.

هذا؛ وأرض يأجوج ومأجوج منحصرة وراء الجبلين العظيمين، وليس لهم طريق إلى أرض العمارة إلا هذه الفتحة الموجودة بين الجبلين التي أقام فيها ذو القرنين السد، وعلى هذا فلا يزالون في العالم المجهول الذي لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى. وذكر: أن سعة الفتحة التي بين الجبلين مائة فرسخ، فيكون طول السد وامتداده على وجه الأرض مائة فرسخ، ومسيرة الفرسخ

<<  <  ج: ص:  >  >>