فعاتبه الله تعالى على ذلك؛ حيث لم يترك هذه الواحدة لخاطبها، وعنده تسع وتسعون امرأة، ويدل على هذا الوجه قوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ} فدل هذا على أن الكلام كان بينهما في الخطبة، ولم يكن قد تقدم تزوج أوريا لها، فعوتب داود بسببين: أحدهما: خطبته على أخيه، والثاني:
إظهار الحرص على التزوج مع كثرة نسائه. وقيل: إن ذنب داود الذي استغفر منه ليس هو بسبب أوريا، والمرأة، وإنما هو بسبب الخصمين، وكونه قضى لأحدهما قبل سماع كلام الآخر. وقيل:
هو قوله لأحد الخصمين: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ} فحكم على خصمه بكونه ظالما بمجرد الدعوى، فلما كان هذا الحكم مخالفا للصواب؛ اشتغل داود بالاستغفار، والتوبة، فثبت بهذه الوجوه نزاهة داود، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.
وينبغي أن تعلم: أن اليهود، والنصارى يعدون داود، وسليمان ملكين، وليسا بنبيّين. هذا؛ وقد عاش داود مئة عام، وقد دام ملكه أربعين سنة.
{وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ (٢٧)}
الشرح: {وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما:} من الخلق. {باطِلاً} أي: خلقا باطلا، لا لحكمة بالغة. أو: مبطلين عابثين، كقوله تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [١٦]: {وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ} وتقديره: ذوي باطل، أو عبثا، فوضع باطلا موضعه، أي:
ما خلقناهما، وما بينهما للعبث، واللعب، ولكن للحق المبين، وهو أنا خلقنا نفوسا، أودعناها العقل، ومنحناها التمكين، وأزحنا عللها، ثم عرضناها للمنافع العظيمة بالتكليف، وأعددنا لها عاقبة، وجزاء حسب أعمالهم، وانظر سورة (الدخان) رقم [٣٨].
{ذلِكَ:} الإشارة إلى خلق السموات والأرض باطلا. {ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا:} الظن بمعنى:
المظنون، أي: خلق السماء والأرض للعبث لا للحكمة هو مظنون الذين كفروا، وإنما جعلوا ظانين: أنه خلقها للعبث، لا للحكمة مع إقرارهم بأنه خالق السموات والأرض وما بينهما لقوله تعالى في كثير من الآيات: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ}. {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ} أي: بسبب ذلك الظن، فهو تهديد، ووعيد لهم. والمعنى: ويل لهم يوم معادهم، ونشورهم من النار المعدة لهم.
هذا؛ والباطل ضد الحق، والباطل بمعنى: الفاسد، وجاء هنا بمعنى: العبث، والبطلان؛ عبارة عن عدم الشيء، إما بعدم ذاته، أو بعدم فائدته، ونفعه. هذا؛ وبطل من باب: دخل، والبطل بفتحتين: الشجاع، والبطل بضم فسكون: الباطل والكذب، والبطالة: التعطل والتفرغ