للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَآواكُمْ}: ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل يعود إلى الله، وهو مفهوم من المقام، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على الجملة الاسمية قبلها، فهي في محل جر مثلها، وتقدير مبتدأ قبلها فيه تكلف، وما بعدها معطوف عليها، ولا تنس أن مفعول (رزق) الثاني محذوف، تقديره: حلالا. {لَعَلَّكُمْ}: حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها.

{تَشْكُرُونَ}: فعل وفاعل، والمفعول محذوف كما رأيت في الشرح، والجملة الفعلية في محل رفع خبر لعل، والجملة الاسمية: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} تعليل للنعم المذكورة.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧)}

الشرح: {آمَنُوا}: انظر الإيمان في الآية رقم [٢] الأعراف. {اللهَ وَالرَّسُولَ}: انظر الآية رقم [١]. وخيانة الله ورسوله تكون بتعطيل الفرائض والسنن، أو بأن يظهر الإنسان خلاف ما يضمر، وهذا نفاق، وتكون الخيانة بالغلول في الغنائم، هذا؛ وأصل الخون: الغدر والنقص، كما أن أصل الأمانة الوفاء والتمام، والخيانة بجميع أنواعها صفة ذميمة تستوجب الذم، كيف لا؟ والرسول صلّى الله عليه وسلّم، قد استعاذ منها بقوله: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من الجوع فإنّه بئس الضّجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنّها بئست البطانة». أخرجه النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، هذا؛ وانظر الأمانة في الآية رقم [٥٨] من سورة (النساء). {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}: أنكم تخونون، أو: أنتم علماء تميزون الحسن من القبيح، أو ما في الخيانة من القبح والعار.

تنبيه: نزلت الآية في أبي لبابة، قال الجلال: اسمه مروان بن عبد المنذر، وقيل: اسمه رفاعة، وقيل: اسمه هارون، وقيل: عمرو، وهو أنصاري-رضي الله عنه-وكانت الحادثة فيما يروى: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حاصر بني قريظة بعد نقضهم العهد والميثاق، وانضمامهم إلى قريش في محاصرة المدينة المنورة في غزوة الخندق إحدى وعشرين ليلة، فسألوه الصلح كما صالح إخوانهم بني النضير، وبني قينقاع، على أن يخرجوا إلى أذرعات وأريحاء بأرض الشام، فأبى إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، فأبوا، وقالوا: أرسل لنا أبا لبابة، وكان مناصحا لهم لأن عياله وأمواله في أيديهم، فبعثه إليهم، فقالوا: يا أبا لبابة، ما ترى؟ أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فقال: نعم، وأشار إلى حلقه: أنه الذبح، قال أبو لبابة. فما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله، ثم انطلق على وجهه، ولم يأت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وشد نفسه على سارية من سواري المسجد، وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت، أو يتوب الله علي، فلما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبره، قال: أما لو جاءني لاستغفرت له، أما إذ فعل ما فعل، فإني لا أطلقه حتى يتوب الله عليه، فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه، ثم تاب الله عليه، فقيل له: يا أبا لبابة قد تيب عليك، فقال: والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو

<<  <  ج: ص:  >  >>