الشرح:{اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ} أي: يقال لهم: ادخلوا الجنة. {أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ:} نساؤكم المؤمنات. وقيل: قرناؤكم من المؤمنين. وقيل: زوجاتكم من الحور العين، والأول أصحّ، وأقوى. {تُحْبَرُونَ:} تكرمون، وتنعمون. وقيل: تسرون سرورا تهلل له وجوهكم. والحبر، والحبور هو السرور. وقيل: هو من التحبير، وهو التحسين، يقال: هو حسن الحبر، والسبر بكسر الحاء والسين، وفتحهما. وفي الحديث:«يخرج من النّار رجل ذهب حبره وسبره».
فالمفتوح مصدر، والمكسور اسم.
روي: أنّ في الجنة أشجارا عليها أجراس من فضة، فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله ريحا من تحت العرش، فتقع في تلك الأشجار، فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا. وقال الأوزاعي: ليس أحد من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم، وتسبيحهم. زاد غير الأوزاعي، ولم تبق شجرة في الجنة، إلاّ وردّت، ولم يبق ستر، ولا باب إلاّ أرتج، وانفتح، ولم تبق حلقة إلاّ وطنّت بألوان طنينها، ولم تبق أجمة من آجام الذهب إلاّ وقع أهبوب الصوت في مقاصبها، فزمرت تلك المقاصب بفنون الزمر، ولم تبق جارية من جواري الحور العين إلاّ غنّت بأغانيها، والطير بألحانها.
ويوحي الله إلى الملائكة أن جاوبوهم، وأسمعوا عبادي الذين نزهوا أسماعهم عن مزامير الشيطان فيجاوبون بألحان وأصوات روحانيين، فتختلط هذه الأصوات، فتصير رجة واحدة، ثم يقول الله عزّ وجل: يا داود قم عند ساق عرشي، فمجدني! فيندفع داود-عليه السّلام-بتمجيد ربه بصوت يغمر الأصوات، ويحليها، وتتضاعف اللذة، فذلك قوله تعالى في سورة (الروم) رقم [١٥]: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}. ذكره الترمذي الحكيم-رحمه الله تعالى-. انتهى. قرطبي.
ثم قال-رحمه الله تعالى-: وهذا كلّه من النعيم، والسرور الدائم، والإكرام السرمدي، فلا تعارض بين هذه الأقوال. وأين هذا من قوله الحق:{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} على ما يأتي؛ أي: في سورة (السجدة)، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر». انتهى. قرطبي في سورة (الروم).
هذا؛ ومن الملح الطريفة ما حكي: أنّ أحد القراء، كان يقرأ في المصحف، فلما وصل إلى قوله تعالى:{اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ} وضع المصحف على كرسيه، وقال: اللهم لا تفعل! وجعل يكررها بصوت عال؛ لأن زوجته كانت نكدا عليه في دنياه. فقالت له زوجته: ما الذي دهاك يا رجل؟! ولماذا تقسم على الله هذا القسم، فقال: وكيف لا أقسم، والله تعالى يقول:
{اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ} وأنا صابر على إيذائك في هذه العاجلة، فكيف تكون دار