للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى ابن المبارك؛ قال: حدّثني من سمع الحسن؛ يقول: إذا جثت الأمم بين يدي ربّ العالمين؛ نودي: ليقم من أجره على الله! فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا عن المسيئين. ويصدقه قوله تعالى في سورة (الشّورى): {فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ}. هذا؛ وبين: {تُبْدُوا} و (تخفوا) طباق، وهو من المحسّنات البديعية.

الإعراب: {إِنْ:} حرف شرط جازم. {تُبْدُوا:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق. {خَيْراً:} مفعول به، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية، ويقال: لأنّها جملة شرط غير ظرفي، والجملتان بعدها معطوفتان عليها، وإعرابهما مثلها، وجواب الشّرط محذوف، تقديره: فهو أولى لكم من تركه، و (إن) ومدخولها كلام مستأنف لا محلّ له.

{فَإِنَّ:} الفاء: حرف تعليل. (إنّ): حرف مشبّه بالفعل. {اللهَ:} اسمها. {كانَ:} فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر يعود إلى: {اللهَ} تقديره: «هو». {عَفُوًّا قَدِيراً} خبران ل‍:

{كانَ} والجملة الفعلية في محل رفع خبر: (إنّ)، والجملة الاسمية لا محلّ لها؛ لأنّها تعليلية.

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠)}

الشرح: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ..}. إلخ: نزلت الآية الكريمة في اليهود، والنّصارى جميعا، وذلك: أنّ اليهود آمنوا بموسى، والتوراة، وكفروا بعيسى، والإنجيل، وبمحمد، والقرآن. والنصارى آمنوا بعيسى، والإنجيل، وكفروا بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن. {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ} أي: بين الإيمان بالله، والإيمان برسله. فنصّ الله سبحانه وتعالى: أنّ التفريق بين الله، ورسله كفر، وإنّما كان كفرا؛ لأنّ الله تعالى فرض على الناس أن يعبدوه بما شرع لهم على ألسنة الرّسل. فإذا جحدوا الرّسل؛ ردّوا عليهم شرائعهم، ولم يقبلوها منهم، فكانوا ممتنعين من التزام العبودية؛ الّتي أمروا بالتزامها لله تعالى.

{وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ:} هو ما ذكرته مفصلا من إيمان اليهود، وإيمان النصارى آنفا. {وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً} أي: بين الإيمان بالبعض دون البعض يتّخذون مذهبا يذهبون إليه، ودينا وسطا بين الإسلام، واليهودية يدينون به، ولا دين وسط لله تعالى؛ إذ الحقّ لا يختلف، فإنّ الإيمان بالله لا يتمّ إلا بالإيمان برسله، وتصديقهم فيما بلّغوا تفصيلا، وإجمالا، فالكافر ببعض كالكافر بالكلّ في الضّلال، كما قال جلّ ذكره: {فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>