للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُنْ... إلخ في محل نصب مقولة لقول محذوف، التقدير: وقل لهم: إن يكن... إلخ، وهذه الجملة معطوفة على جملة: {حَرِّضِ..}. إلخ لا محل لها مثلها {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً} إعراب هذا الكلام مثل سابقه، وهو معطوف عليه. {مِنَ الَّذِينَ}: متعلقان بمحذوف صفة: {أَلْفاً،} وجملة: {كَفَرُوا} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، لا محل لها، هذا؛ ولا تنس أنه قد وصف عشرون في الجملة الأولى ب‍ {تَصْبِرُونَ،} ولم يصف {مِائَةٌ} في الجملة الثانية، وأثبت سبحانه في الثانية قيدا، وهو قوله {مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وحذفه من الأولى، فحذف من كل منهما ما أثبته في الآخر، ويسمى مثل هذا في فن البلاغة احتباكا. {بِأَنَّهُمْ} الباء: حرف جر. (أنهم): حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {قَوْمٌ}:

خبرها، وجملة: {لا يَفْقَهُونَ} في محل رفع صفة {قَوْمٌ،} وأن واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلقان ب‍ {يَغْلِبُوا} في الموضعين، أفاده الجمل، وهذا يعني أنه على التنازع، وأرى أن الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف، التقدير: ذلك بأنهم... إلخ، وله مثل كثيرة في كتاب الله تعالى، انظر الآية رقم [٦١] المائدة و [٨٥] منها وغيرهما كثير؛ وعليه فالجملة الاسمية: {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} مستأنفة لا محل لها. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

{الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصّابِرِينَ (٦٦)}

الشرح: عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: لما نزلت {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} كتب على المؤمنين ألا يفر واحد من عشرة، ولا عشرون من مائتين، أي: من مقابلتهم في ساحة الحرب، ثم نزلت {الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ} فكتب أن لا يفر مائة من مائتين، وفي رواية أخرى عنه، قال: لما نزلت {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ..}. إلخ شق ذلك على المسلمين، فنزلت: {الْآنَ خَفَّفَ} فظاهر هذا أن الآية الثانية ناسخة لما تقدم، ولما خفف الله عنهم من العدة نقص عنهم من الصبر بقدر ما خفف عنهم. انتهى. خازن بتصرف كبير، هذا؛ وعلم ليس على ظاهره، فعلم الله بضعفهم قديم أزلي.

أقول: الآيتان يطلق عليهما آيات المصابرة، وأن الثانية ناسخة للأولى، وهذا النسخ من الأشد إلى الأخف، ويفهم من لفظ: (شق ذلك على المسلمين): أن الثانية متأخرة عن الأولى في النزول.

{الْآنَ}: هذه الكلمة ملازمة للظرفية غالبا، مبنية على الفتح دائما لتضمنها معنى الإشارة، وألفها منقلبة عن واو لقولهم في معناها: الأوان، وقيل: عن ياء لأنه من آن يئين: إذا قرب،

<<  <  ج: ص:  >  >>