للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢)}

الشرح: {لَوْلا:} هلا. {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ:} حين سمعتم الإفك، والافتراء على السيدة عائشة.

{ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ} أي: اعتقدوا بالذين منهم، والتعبير بأنفسهم على حد قوله تعالى: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} فالمؤمنون كالجسد الواحد، والطاعن في أخيه كالطاعن في نفسه، واللامز لأخيه كاللامز لنفسه.

{خَيْراً:} عفافا، وصلاحا، وذلك نحو ما يروى أن عمر-رضي الله عنه-قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنا قاطع بكذب المنافقين؛ لأن الله تعالى عصمك من وقوع الذباب على جلدك؛ لأنه يقع على النجاسات، فيتلطخ بها، فلما عصمك الله من ذلك القدر من القذر، فكيف لا يعصمك عن صحبة من تكون متلطخة بمثل هذه الفاحشة!

وقال عثمان-رضي الله عنه-: إن الله ما أوقع ظلك على الأرض، لئلا يضع إنسان قدمه على ذلك الظل، فلما لم يمكّن أحدا من وضع القدم على ظلك، كيف يمكن أحدا من تلويث عرض زوجتك! وكذا قال علي-رضي الله عنه-: إن جبريل عليه السّلام أخبرك أن على نعليك قذرا، وأمرك بإخراج النعل عن رجلك بسبب ما التصق به من القذر، فكيف لا يأمرك بإخراجها بتقدير أن تكون متلطخة بشيء من الفواحش؟

وروي: أن أبا أيوب الأنصاري-رضي الله عنه-قال لامرأته: ألا ترين ما يقال؟ فقالت: لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سوآ؟ فقال: لا، قالت: ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعائشة خير مني، وصفوان خير منك.

وإنما عدل عن الخطاب إلى الغيبة، وعن الضمير إلى الظاهر، ولم يقل: ظننتم بأنفسكم خيرا، وقلتم؛ ليبالغ في التوبيخ بطريق الالتفات، وليدل التصريح بلفظ الإيمان على أن الاشتراك فيه يقتضي أن لا يصدق مؤمن على أخيه، ولا مؤمنة على أختها قول غائب، ولا طاعن، وهذا من الأدب الحسن الذي قلّ القائم به، والحافظ له، وليتك تجد من يسمع، فيسكت، ولا يشيع ما سمعه بإخوانه. انتهى. كله من قول النسفي، رحمه الله تعالى.

{هذا إِفْكٌ مُبِينٌ:} كذب بيّن لا حقيقة له، وانظر شرح (النفس) في الآية رقم [٣٥] من سورة (الأنبياء)، وانظر شرح (مبين) وإعلاله في الآية رقم [١١] من سورة (الحج)، وانظر (الإيمان) في الآية رقم [١٤] منها، وانظر شرح (يسمع) في الآية رقم [٤٦] من سورة (الحج) أيضا.

الإعراب: {لَوْلا:} حرف تحضيض، وقيل: فيها معنى التوبيخ. {إِذْ:} ظرف لما مضى من الزمان بمعنى حين مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل {ظَنَّ} الآتي، وانظر ما

<<  <  ج: ص:  >  >>