للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيا بظهور عاقبة أمرك بغلبة الإسلام، واستيلائك عليهم بالقتل، والأسر، واستلاب أموالهم.

وهذا؛ وعد للرسول صلّى الله عليه وسلّم، ووعيد لكفار قريش، وهذا كقوله تعالى في سورة (القمر) رقم [٢٦]:

{سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذّابُ الْأَشِرُ} وهذا التهديد، وهذا الوعيد تجده في أول سورة (النبأ)، وفي سورة (التكاثر).

{بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} أي: أيكم فتن بالجنون؟ هل أنت كما يفترون، أم هم بكفرهم وانصرافهم عن الهدى؟ ومعنى {الْمَفْتُونُ} هو الذي قد فتن عن الحق، وضل عنه. وقال القرطبي: أي:

الذي فتن بالجنون. وقيل: {الْمَفْتُونُ} الشيطان الذي فتن بالجنون. وليس بشيء. والحق: أن المفتون: المجنون الذي فتنه الشيطان، وأبعده عن طاعة الله، ورحمته.

الإعراب: {فَسَتُبْصِرُ:} (الفاء): حرف استئناف. (السين): حرف تنفيس، واستقبال.

(تبصر): فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره: «أنت»، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها.

{وَيُبْصِرُونَ:} الواو: حرف عطف. (يبصرون): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، وكلا الفعلين معلق عن العمل بسبب الاستفهام على التنازع. {بِأَيِّكُمُ:} (الباء): حرف جر صلة. (أيكم): مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، والكاف في محل جر بالإضافة، وإلى هذا ذهب قتادة، وأبو عبيدة معمر بن المثنى إلا أنه ضعيف من حيث إن الباء لا تزاد في المبتدأ؛ إلا في بحسبك فقط. {الْمَفْتُونُ:} خبره، وهذا وجه للإعراب، والوجه الثاني: اعتبار {بِأَيِّكُمُ} جار ومجرور متعلقين بمحذوف في محل رفع خبر مقدم. {الْمَفْتُونُ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية على الوجهين في محل نصب مفعول به لأحد الفعلين السابقين على التنازع.

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)}

الشرح: معنى الآية الكريمة: إن كفار قريش رموا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالجنون، والضلال، ووصفوا أنفسهم بالعقل، والهداية، فأخبر الله تعالى: أنه هو العالم بالفريقين: الضال، والمهتدي، والمجنون، والعاقل، وهو تعليل لما قبله، وتأكيد للوعد، والوعيد، كأنه يقول: إنهم هم المجانين على الحقيقة، لا أنت، حيث كانت لهم عقول لم ينتفعوا بها، ولا استعملوها فيما ينجيهم، ويسعدهم. ويؤيد هذا ما روي: أنه مر على مجلس الرسول صلّى الله عليه وسلّم رجل معتوه، فقال الصحابة رضوان الله عليهم: هذا مجنون، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مصاب، إنما المجنون من أصر على معصية الله». هذا؛ ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (النجم) رقم [٣٠]: {ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى}. هذا؛ و {أَعْلَمُ} هنا، وهناك بمعنى:

<<  <  ج: ص:  >  >>