للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كقوله تعالى: {فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}. وقيل: بل الاستثناء منقطع؛ لأنه لم يكن من الملائكة، بل كان من الجن بالنص، وهو قول الحسن، وقتادة، ولأنه خلق من نار، والملائكة خلقوا من النور، ولأنه أبى، وعصى، واستكبر، والملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، ولا يستكبرون عن عبادته، ولأنه قال تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي،} ولا نسل للملائكة، وعن الجاحظ: إنّ الجن والملائكة جنس واحد، فمن طهر منهم فهو ملك، ومن خبث منهم فهو شيطان، ومن كان بين بين فهو جن، وانظر الآية رقم [٢٧]. هذا؛ والجن أجسام نارية لطيفة قادرة على التشكل في الغالب بأشكال مخيفة قبيحة من حية، ونحوها. {أَبى:} ماض من الإباء، وهو الامتناع، أو أشده، وإباء الله قضاؤه أن لا يكون الأمر، أو عدم قضائه أن يكون، قال تعالى في صيغة المضارع: {وَيَأْبَى اللهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ}. هذا؛ ويكون متعديا إذا كان بمعنى: كره، ولازما إذا كان بمعنى: امتنع، وهذا الفعل يتضمن النفي والإيجاب؛ لأنه بمعنى: لا يقبل إلا... إلخ.

هذا والسجود في الأصل: تذلل مع تطامن، وفي الشرع: وضع الجبهة على قصد العبادة، والمأمور به إما المعنى الشرعي، فالمسجود له في الحقيقة هو الله تعالى، وجعل آدم قبلة سجودهم تعظيما لشأنه، أو سببا لوجوبه، كما جعلت الكعبة قبلة للصلاة، والصلاة لله، فمعنى اسجدوا له، اسجدوا إليه، وإما المعنى اللغوي، وهو التواضع لآدم، تحية وتعظيما له، كسجود إخوة يوسف له في قوله تعالى: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} فلم يكن فيه وضع الجبهة بالأرض، إنما كان بالانحناء، فلما جاء الإسلام؛ أبطل ذلك بالسلام، انظر الآية رقم [١٠٠] من سورة (يوسف) عليه السّلام.

الإعراب: {إِلاّ:} أداة استثناء. {إِبْلِيسَ:} مستثنى من الملائكة، وانظر الشرح. {أَبى:}

ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل يعود إلى {إِبْلِيسَ}. {أَنْ} حرف مصدري ونصب. {يَكُونَ:} مضارع ناقص منصوب بأن، واسمه يعود إلى إبليس. {مَعَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر يكون، وهو مضاف، و {السّاجِدِينَ:} مضاف إليه مجرور... إلخ، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، و {أَنْ يَكُونَ} في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به، أو هو في محل جر بحرف جر محذوف، أو هو منصوب بنزع الخافض، وجملة: {أَبى..}. إلخ في محل نصب حال من {إِبْلِيسَ} على اعتبار الاستثناء متصلا، وتكون «قد» مقدرة قبل الجملة، والرابط: الضمير فقط، ومستأنفة إن كان الاستثناء منقطعا لا محل لها.

{قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ (٣٢)}

الشرح: قال الله تعالى: يا إبليس ما المانع لك في أن تكون مع الساجدين من الملائكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>