جار ومجرور متعلقان ب {الْوَصِيَّةُ} وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنّى، وهذا ما جرى عليه ابن هشام في المغني، وقد ردّ على الأخفش، الذي اعتبر {الْوَصِيَّةُ} مبتدأ، وخبره {لِلْوالِدَيْنِ} والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط، وحذفت الفاء التي تقع في جواب الشرط؛ إذا كانت الجملة اسمية، كما في قول عبد الرحمن بن حسان بن ثابت-رضي الله عنهما، وهو الشاهد رقم [١٤٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [البسيط]
من يفعل الحسنات الله يشكرها... والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان
إذ التقدير: فالله يشكرها، فقال: مردود؛ لأن الفاء لا تحذف إلا في ضرورة الشّعر، والقرآن لا ضرورة فيه، بل هو منزّه عن الضرورة، واعتبر {الْوَصِيَّةُ} نائب فاعل {كُتِبَ}. هذا؛ وردّ مكيّ ما تقدم بقوله:{الْوَصِيَّةُ} رفع بالابتداء، والخبر محذوف، أي: فعليكم الوصية. ويبعد رفعها ب {كُتِبَ} لأنها تصير عاملة في {إِذا} فإذا كانت {إِذا} في صلة الوصية؛ فقد قدمت الصّلة على الموصول، ونائب فاعل {كُتِبَ} مضمر دلّت عليه ({الْوَصِيَّةُ}) تقديره: كتب عليكم الإيصاء إذا حضر، فالإيصاء عامل في {إِذا}. انتهى بتصرف. وهو كلام فيه تكلّف، ثم ذكر كلاما للنّحاس بعيدا كل البعد.
{وَالْأَقْرَبِينَ:} معطوف على ما قبله مجرور مثله، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون فيه، وفي سابقه عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {بِالْمَعْرُوفِ:}
متعلقان بمحذوف حال من الضمير المستتر في الخبر المحذوف، أو من {الْوَصِيَّةُ} إن كانت نائب فاعل، أي: ملتبسة بالمعروف. {حَقًّا:} مفعول مطلق لفعل محذوف، أي: حقّ ذلك حقّا. قال أبو البقاء: ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف، أي: كتبا حقّا، أو إيصاء حقّا. قال الجلال:
{حَقًّا} مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله. أقول: وعلى تقدير فعل قبله، فجملته في محل نصب حال مؤكدة لمضمون الجملة قبلها. {عَلَى الْمُتَّقِينَ} متعلقان ب {حَقًّا} أو بمحذوف صفة له.
الشرح:{فَمَنْ بَدَّلَهُ:} فمن غيّر الإيصاء عن وجهه، إن كان موافقا للشرع من الأوصياء، والشهود. {فَإِنَّما إِثْمُهُ} أي: التبديل المفهوم من: {بَدَّلَهُ}. {عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} أي: يبدلون الإيصاء، ولا يعود الضمير على التبديل. {إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ:} أي: لأقوال الناس من موص، وموصى له، ووصي، وشاهد. {عَلِيمٌ:} بأفعال الناس جميعا، فيجازي كلّ واحد بما قال، أو فعل، ولا تخفى عليه خافية في الأرض، ولا في السماء، وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-:
وقع أجر الميت الموصي على الله، وتعلّق الإثم بالّذين بدّلوا. وهذه الآية في الوصية المحكمة المعمول بها إلى الآن، وإلى يوم القيامة.