للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣)}

الشرح: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ} أي: رجحت سيئاته على حسناته. هذا؛ وقد ذكر الله في الآية السابقة السعداء الذين غلبت حسناتهم على سيئاتهم، وذكر في هذه الآية الأشقياء الذين غلبت سيئاتهم على حسناتهم، وبقي صنف ثالث: وهم من تساوت حسناتهم وسيئاتهم، وهم أصحاب الأعراف؛ الذين ذكرهم الله في الآية رقم [٤٥] من سورة (الأعراف). {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} أي:

ضيعوها، وحرموها من جزيل ثواب الله تعالى، وكرامته. {فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ:} مقيمون، ماكثون، لا يخرجون منها أبدا، فهذه هي خسارتهم، وأية خسارة أعظم من الحرمان من الجنة ونعيمها الدائم، والخلود في النار، وانظر (الخسران) في الآية رقم [١١] من سورة (الحج)، وانظر شرح {يَرِثُونَ} في الآية رقم [١١]، وانظر شرح (النفس) في الآية رقم [٣٥] من سورة (الأنبياء).

تنبيه: روي عن أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-أنه قال حين حضره الموت في وصيته لعمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا.

الإعراب: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ..}. إلخ: انظر إعراب هذا الكلام في الآية السابقة.

{الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر المبتدأ. {خَسِرُوا:} ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها.

{أَنْفُسَهُمْ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة. {فِي جَهَنَّمَ:} متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: فهم في جهنم، وقال الزمخشري، وتبعه البيضاوي، والنسفي: {فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ:} بدل من الصلة، أي من جملة: {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} ولا محل للبدل، ولا للمبدل منه، أو الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر ثان ل‍: (أولئك)، وعلى هذه الأقوال ف‍:

(خالدون) فاعل بمتعلق الجار والمجرور. هذا؛ وإن اعتبرنا {خالِدُونَ} خبرا ثانيا للمبتدأ (أولئك)، أو خبرا لمبتدأ محذوف، فيكون الجار والمجرور متعلقين به، التقدير: فأولئك الذين... خالدون في جهنم، أو التقدير: فهم خالدون في جهنم. وبقي وجه آخر، وهو اعتبار الجار، والمجرور متعلقين بمحذوف خبر مقدم، و {خالِدُونَ} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية بدل من جملة الصلة، وذلك على قول الزمخشري، ومتابعيه. تأمل، وتدبر.

{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤)}

الشرح: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ:} تحرق، واللفح كالنفح؛ إلا أنه أشد تأثيرا، وانظر الآية

<<  <  ج: ص:  >  >>