{زَكَرِيّا:} بدل من {عَبْدَهُ،} أو عطف بيان عليه، منصوب مثله، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر.
{إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣)}
الشرح:{إِذْ نادى} أي: دعا زكريا ربه دعاء خفيا؛ أي: في السر، وإنما أخفى دعاءه؛ لأن الإخفاء والجهر عند الله سيان، والإخفاء أشد إخباتا، وأكثر إخلاصا. قال تعالى:{اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} انظر الآية رقم [٥٥] من سورة (الأعراف) أو أخفى دعاءه لئلا يلام على طلب الولد مع كبر السن، أو لئلا يطلع عليه مواليه، الذين خافهم، أو لأن ضعف الهرم أخفى صوته. واختلف في سنه حينئذ، فقيل: خمس وسبعون. وقيل: ثمانون. وقيل: تسع وتسعون. وقيل: غير ذلك. وقال الجلال: كان له مائة وعشرون سنة، ولامرأته ثمان وتسعون.
الإعراب:{إِذْ:} ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق ب: {رَحْمَتِ} وأجيز تعليقه ب: {ذِكْرُ}. وقيل: هو بدل اشتمال من {زَكَرِيّا}. {نادى:}
ماض، والفاعل يعود إلى {زَكَرِيّا}. {رَبَّهُ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {نِداءً:} مفعول مطلق. {خَفِيًّا} صفة له، وجملة:{نادى..}. إلخ في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها.
الشرح:{قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي:} ضعف عظمي، ورق، وإنما ذكر العظم وحده؛ لأنه عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، فإذا وهن؛ تداعى، وتساقط سائر قوته، ولأنه أشد ما فيه، وأصلبه، فإذا وهن كان ما وراءه، أوهن، ووحّده؛ لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية، والمراد: أن هذا الجنس الذي هو العمود، والقوام، وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن، والضعف، ووهن، يهن من باب: وعد، فهو واهن في الأمر، والعمل، والبدن، ووهنته: أضعفته، يتعدى، ولا يتعدى في لغة فهو موهون البدن، والعظم، والأجود: أنه يتعدى بالهمزة، فيقال: أوهنته.
{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً:} هذا من أحسن الاستعارة وأجملها في كلام العرب، فقد شبه الشيب في بياضه، وإنارته بشواظ من نار، وانتشاره، وفشوه في الشعر باشتعالها، ثم أخرج مخرج الاستعارة، وأسند الاشتعال إلى الرأس الذي هو مكان الشيب مبالغة، ولا ترى كلاما