للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧)}

الشرح: {آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ} أي: صدقوا، وأيقنوا، واعتقدوا: أن الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم عبده ورسوله. هذا؛ وبعد أن ذكر الله أنواعا من الدلائل الدالة على توحيده، وعلمه، وقدرته؛ خاطب كفار قريش، وغيرهم بهذا الأمر الصريح، كما أمرهم بالإقلال من الدنيا، والإعراض عنها، وأمرهم بإنفاق المال في وجوه الخير، وهو قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} يعني: أن الأموال التي في أيديكم، إنما هي أموال الله بخلقه، وإنشائه لها، وإنما موّلكم إياها للاستمتاع بها، وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فليست هي بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء، والنواب، فأنفقوا منها في حقوق الله تعالى، وليهن عليكم الإنفاق منها، كما يهون على الرجل الإنفاق من مال غيره؛ إذا أذن له فيه. أو جعلكم مستخلفين ممن قبلكم فيما في أيديكم بتوريثه إياكم، وسينقله منكم إلى من بعدكم، فاعتبروا بحالهم، ولا تبخلوا، فلعل وارثك يطيع الله فيه، فيكون أسعد بما ينعم الله به عليك منك، أو يعصي الله فيه، فتكون قد سعيت في معاونته على الإثم والعدوان.

فعن عبد الله بن الشخير-رضي الله عنه-قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يقرأ: {أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ} ثم قال: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت أو تصدّقت فأمضيت؟» رواه مسلم، والترمذي، والنسائي. وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّكم مال وارثه أحبّ إليه من ماله». قالوا: يا رسول الله ما منّا أحد إلاّ ماله أحبّ إليه. قال: «فإن ماله ما قدّم، ومال وارثه ما أخّر». رواه البخاري، ورحم الله من يقول: [الطويل] ألا إن مالي الّذي أنا منفق... وليس لي المال الذي أنا تارك

إذا كنت ذا مال فبادر به التي... تخشى وإلاّ استهلكته الهوالك

{فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ:} ترغيب في الإيمان، والإنفاق في وجوه الخير.

والأجر الكبير: هو الجنة، وما فيها من النعيم المقيم، والخير العميم. وفي هذا الوعد مبالغات كثيرة: جعل الجملة اسمية، وهي تدل على الثبوت، والاستمرار، وإعادة ذكر الإيمان، والإنفاق، وبناء الحكم على الضمير، وتنكير الأجر، ووصفه بالكبر.

تنبيه: قال الجلال: نزلت الاية في غزوة العسرة، وهي غزوة تبوك، ثم قال: قوله تعالى:

{فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا..}. إلخ إشارة إلى عثمان-رضي الله عنه-. قال الجمل معلقا: فإنه

<<  <  ج: ص:  >  >>