للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكيم لا يعاقب إلا عن حكمة وصواب. انتهى بحروفه. وهذا الكلام في غاية الجودة؛ لأن الله لا يغفر الكفر قطعا، والنصوص كثيرة في ذلك.

الإعراب: {إِنْ:} حرف شرط جازم. {تُعَذِّبْهُمْ:} فعل الشرط مجزوم، والفاعل تقديره:

«أنت»، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف، التقدير: (فلا اعتراض عليك)، والجملة الاسمية: {فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ،} تعليل لهذا النفي الذي رأيته، وإن ومدخولها من مقول عيسى، عليه السّلام. {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ:} إعرابه مثل إعراب سابقه، وينبغي أن تعلم: أن المفعول محذوف، التقدير: ذنوبهم، وجواب الشرط محذوف، التقدير: فذلك تفضل منك، وتكرم عليهم، والجملة الاسمية: {فَإِنَّكَ أَنْتَ..}. إلخ تعليل لهذا المحذوف. وانظر إعراب مثل هذه الجملة في الآية رقم [١١٦]. واعتبار الجواب محذوفا والجملتين الاسميتين تعليلا للمحذوف، هو الذي يؤيده المعنى وإن أوهم الظاهر خلاف ذلك.

{قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩)}

الشرح: {قالَ:} انظر القول في الآية رقم [٢/ ٢٦] ورقم [٧/ ٤] {اللهُ:} انظر الاستعاذة.

{يَوْمُ:} انظر الآية رقم [٢/ ٤٨] ورقم [٦/ ١٢٨] فإنه جيد. {الصّادِقِينَ:} الذي صدقوا ما عاهدوا الله عليه في الدنيا، والذين صدقوا في أقوالهم وأعمالهم. وهذا الكلام إنما يكون يوم القيامة كما قدمت سابقا، والتعبير ب‍: {قالَ} ذكرته في الآية رقم [١١٣]. {جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ:} انظر الآية رقم [٨٥]. {أَبَداً:} هو الزمان الطويل الذي ليس له حد، فإذا قلت:

لا أكلمك أبدا، فالأبد من وقت التكلم إلى آخر العمر، وهو هنا مفيد للتأبيد المفهوم من الخلود. {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ:} بالسعي المشكور. {وَرَضُوا عَنْهُ:} بالجزاء الموفور. {ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ:} وصفه جل جلاله بالعظم؛ لأنه باق بخلاف الفوز في الدنيا فإنه غير باق، بل هو فان.

تنبيه: تكرر رضا الله عن عباده ورضا عباده، عنه في القرآن الكريم، ويجدر بي أن أقول:

إن رضا الله عن العبد موقوف على رضا العبد عن الله تعالى، فحوى هذا: أن العبد إذا رضي بكل شيء يصيبه في دنياه، من صحة أو مرض، أو غنى، أو فقر؛ فيكون راضيا عن الله تعالى، فالله يثيبه رضاه، أي رحمته، وعفوه، وجوده، وإحسانه، فعليه من أحب أن يعرف منزلته عند الله تعالى، فلينظر إلى منزلة الله عنده، فإن الله تعالى ينزل العبد منه حيث أنزله العبد من نفسه، والدواء الشافي هو الرضا بقضاء الله وقدره في كل ما يصيب المؤمن في دنياه، وخذ جرعة من هذا الدواء على لسان سيد الأنبياء: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو

<<  <  ج: ص:  >  >>