للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للتعليل، ولا محلّ لها، والمعنى لا يأباه، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه كما ذكرته لك مرارا، والجملة الاسمية: {وَمَنْ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها.

{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اِتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢)}

الشرح: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ..}. إلخ، حسنت في أعينهم، وأشربت محبتها في قلوبهم، حتّى تهالكوا عليها، وأعرضوا عن غيرها، والمزيّن في الحقيقة هو الله تعالى؛ إذ ما من شيء إلا هو فاعله، وكلّ من الشيطان، والقوّة الحيوانية، وما خلقه الله فيها من الأمور البهيمية، والأشياء الشهيّة مزين بالعرض. انتهى بيضاوي. وهذا مذهب أهل السنة، والجماعة، وانظر ما ذكرته بشأن المعتزلة، وغيرهم من الفرق الضالة في الآية رقم [١٤] من سورة (آل عمران) وغيرها.

{وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ} أي: يهزأ كفار قريش من الذين آمنوا؛ أي: من فقراء المسلمين، كبلال، وعمار، وصهيب، وخبّاب، وغيرهم، والسّخرية بالناس حرام، فقد روى عليّ-رضي الله عنه-:

أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من استذلّ مؤمنا، أو مؤمنة، أو حقّره لفقره، وقلّة ذات يده؛ شهّره الله تعالى يوم القيامة، ثمّ فضحه، ومن بهت مؤمنا، أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله على تلّ من نار يوم القيامة؛ حتّى يخرج ممّا قال فيه، وإنّ عظم المؤمن أعظم عند الله، وأكرم عليه من ملك مقرّب، وليس شيء أحبّ إلى الله من مؤمن تائب، أو مؤمنة تائبة، وإنّ الرّجل المؤمن يعرف في السّماء، كما يعرف الرجل أهله، وولده». وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٥]. هذا وقد أورد التزيين بصيغة الماضي لكونه مفروغا منه، مركوزا في طبائعهم، وعطف عليه بالفعل المضارع للدّلالة على استمرار السّخرية منهم؛ لأن صيغة المضارع تفيد الاستمرار، والتّجدد.

{وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} أي: إنّ الله تعالى يرفع درجات الفقراء المؤمنين يوم القيامة، حتّى يجعلهم في أعلى علّيين، ويضع درجات الكافرين المستكبرين حتى يجعلهم في أسفل سافلين، والمؤمنون في الآخرة في أوج العز، والكرامة، والكافرون، والفاسدون المفسدون في حضيض الذلّ، والمهانة. هذا؛ وقد قال تعالى في سورة المطففين: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ،} ثمّ قال تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ}.

عن حارثة بن وهب-رضي الله عنه-: أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ألا أخبركم بأهل الجنّة؟ كل ضعيف متضعّف، لو أقسم على الله؛ لأبرّه، ألا أخبركم بأهل النّار؟ كلّ عتلّ جوّاظ مستكبر». متّفق عليه.

{وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ} أي: بغير تقدير، فيوسّع في الدنيا استدراجا تارة، وابتلاء أخرى، وأمّا في الآخرة، فرزقه للمؤمنين واسع، لا يضبطه عدّ، ولا كيل، ولا وزن بخلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>