للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤)}

الشرح: {اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} أي: بدأكم، وأنشأكم من ضعف، كقوله تعالى:

{وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً}. وقيل: من ماء ذي ضعف، وهو النطفة، والمعبر عنها بكثير من الآيات: {مِنْ ماءٍ مَهِينٍ} وقيل: هو إشارة إلى أحوال الإنسان المختلفة، كان جنينا، ثم طفلا مولودا، ومفطوما، فهذه أحوال غاية الضعف. {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} أي: حال الشباب، وبلوغ الأشد. {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} أي: بياض الشعر الأسود، ويحصل أوله في الغالب في السنة الثالثة والأربعين، وهو أول سن الاكتهال، والأخذ في النقص بالفعل بعد الخمسين إلى أن يزيد النقص في الثالثة والستين، وهو أول سن الشيخوخة، ويقوى الضعف إلى ما شاء الله تعالى. انتهى. جمل نقلا عن الخطيب.

قال تعالى في سورة (الحج) رقم [٥]: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً} ومثله في الآية رقم [٧٠] من سورة (النحل). {يَخْلُقُ ما يَشاءُ:} من ضعف، وقوة، وشيبة، وشبيبة. {وَهُوَ الْعَلِيمُ:} بتدبيره أمور خلقه. {الْقَدِيرُ:} القادر المقتدر على تغيير أحوال خلقه، وهذا الترديد في الأحوال أبين دليل على الصانع العليم القدير، وخذ هذين البيتين رحم الله قائلهما: [البسيط] ما أنت إلاّ كزرع عند خضرته... لكلّ شيء من الآفات مقصود

فإن سلمت من الآفات أجمعها... فأنت من بعد ذا لا بدّ محصود

هذا؛ ويقرأ بفتح الضاد في جميعها، وقرئ بالضم، وهو أقوى. قال الفراء: الضم لغة قريش، والفتح لغة تميم. قال عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: قرأتها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {مِنْ ضَعْفٍ} فأقرأني «(من ضعف)» وهما لغتان كالعقر، والعقر. وقيل: الضعف بالفتح في الرأي، وبالضم في الجسد، ومنه الحديث في الرجل الذي كان يخدع في البيوع: «أنه يبتاع وفي عقدته ضعف» أي: في رأيه، ونظره في مصالح نفسه.

هذا؛ والشيبة، والشيب: بياض الشعر، والمشيب: عبارة عن الحيوان في زمان تكون قوته فيه غير غريزية، أما الشباب فهو الزمن الذي تكون فيه حرارة الحيوان الغريزية مشبوبة؛ أي: قوية مشتعلة. هذا قول الأصمعي، وقال الجوهري: الشيب، والمشيب بمعنى واحد.

الإعراب: {اللهُ الَّذِي:} مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {خَلَقَكُمْ:}

فعل ماض، والفاعل يعود إلى {الَّذِي} وهو العائد، والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {مِنْ ضَعْفٍ:} جار ومجرور متعلقان

<<  <  ج: ص:  >  >>