مفعوله، وعلى قراءة الرفع، فالجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، و {الدِّينَ} مبتدأ مؤخر، والتقديم أفاد الاختصاص، والجملة الاسمية مستأنفة. كذا قال الفراء، وبه قال البيضاوي، وأرى صحة اعتبار {الدِّينَ} نائب فاعل ل: {مُخْلِصاً،} وجملة: {فَاعْبُدِ اللهَ..}. إلخ لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم، التقدير: وإذا كان ما ذكر حاصلا وواقعا؛ فاعبد.
الشرح:{أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ} أي: هو الذي وجب اختصاصه بأن يخلص له الطاعة من كل شائبة كدر؛ لاطلاعه جلت قدرته، وتعالت حكمته على الغيوب، والأسرار، ولأنه الحقيقي بذلك؛ لخلوص نعمته عن استجرار المنفعة بها. وعن قتادة: الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله. وعن الحسن: الإسلام! أمر الله بالإخلاص؛ لأنه رأس العبادات في التوحيد، واتباع الأوامر، واجتناب النواهي.
كيف لا والرسول صلّى الله عليه وسلّم قال:«من فارق الدّنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصّلاة، وآتى الزّكاة؛ فارقها؛ والله عنه راض». رواه ابن ماجه، والحاكم عن أنس بن مالك، -رضي الله عنه-. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رجل: يا رسول الله! إني أقف الموقف أريد وجه الله، وأريد أن يرى موطني، فلم يردّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى نزلت:{فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}. رواه الحاكم، والبيهقي. وعن ثوبان -رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كلّ فتنة ظلماء». رواه البيهقي.
وقد اعتبر الإسلام الرياء وحب السمعة والمحمدة شركا، فعن ابن مسعود-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحسن الصّلاة: حيث يراه النّاس، وأساءها حيث يخلو، فتلكم استهانة استهان بها ربّه تبارك وتعالى». رواه أبو يعلى. وعن شداد بن أوس-رضي الله عنه-أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول:«من صام يرائي فقد أشرك، ومن صلّى يرائي فقد أشرك، ومن تصدّق يرائي فقد أشرك». رواه البيهقي.
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ} أي: وهؤلاء المشركون الذين عبدوا من دون الله الحجارة، والأوثان. يقولون:{ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى} أي: قربى؛ أي: فهي تقربنا عند الله، وتشفع لنا عنده؛ ولذا كانوا إذا قيل لهم: من خلقكم؟ من يرزقكم؟ من خلق السموات