للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفعوله، وعلى قراءة الرفع، فالجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، و {الدِّينَ} مبتدأ مؤخر، والتقديم أفاد الاختصاص، والجملة الاسمية مستأنفة. كذا قال الفراء، وبه قال البيضاوي، وأرى صحة اعتبار {الدِّينَ} نائب فاعل ل‍: {مُخْلِصاً،} وجملة: {فَاعْبُدِ اللهَ..}. إلخ لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم، التقدير: وإذا كان ما ذكر حاصلا وواقعا؛ فاعبد.

{أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ (٣)}

الشرح: {أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ} أي: هو الذي وجب اختصاصه بأن يخلص له الطاعة من كل شائبة كدر؛ لاطلاعه جلت قدرته، وتعالت حكمته على الغيوب، والأسرار، ولأنه الحقيقي بذلك؛ لخلوص نعمته عن استجرار المنفعة بها. وعن قتادة: الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله. وعن الحسن: الإسلام! أمر الله بالإخلاص؛ لأنه رأس العبادات في التوحيد، واتباع الأوامر، واجتناب النواهي.

كيف لا والرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «من فارق الدّنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصّلاة، وآتى الزّكاة؛ فارقها؛ والله عنه راض». رواه ابن ماجه، والحاكم عن أنس بن مالك، -رضي الله عنه-. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رجل: يا رسول الله! إني أقف الموقف أريد وجه الله، وأريد أن يرى موطني، فلم يردّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى نزلت: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}. رواه الحاكم، والبيهقي. وعن ثوبان -رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كلّ فتنة ظلماء». رواه البيهقي.

وقد اعتبر الإسلام الرياء وحب السمعة والمحمدة شركا، فعن ابن مسعود-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أحسن الصّلاة: حيث يراه النّاس، وأساءها حيث يخلو، فتلكم استهانة استهان بها ربّه تبارك وتعالى». رواه أبو يعلى. وعن شداد بن أوس-رضي الله عنه-أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من صام يرائي فقد أشرك، ومن صلّى يرائي فقد أشرك، ومن تصدّق يرائي فقد أشرك». رواه البيهقي.

{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ} أي: وهؤلاء المشركون الذين عبدوا من دون الله الحجارة، والأوثان. يقولون: {ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى} أي: قربى؛ أي: فهي تقربنا عند الله، وتشفع لنا عنده؛ ولذا كانوا إذا قيل لهم: من خلقكم؟ من يرزقكم؟ من خلق السموات

<<  <  ج: ص:  >  >>