للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأرض؟ من ربكم ورب آبائكم الأولين؟ فيقولون: الله، فيقال لهم: فما معنى عبادتكم الأصنام؟ فيقولون: نعبدها لتقربنا إلى الله زلفى، وتشفع لنا. ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم: لبّيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك تملكه، وما ملك. وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر، وحديثه، وجاءتهم الرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردها، والنهي عنها، والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وأن هذا الذي اخترعه المشركون من عند أنفسهم لم يأذن الله فيه، ولا رضي به، بل أبغضه، ونهى عنه في كثير من الآيات، مثل قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ} وغير ذلك كثير.

{إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي: يحكم الله بين الخلائق يوم القيامة فيما اختلفوا فيه من أمر الدين، فيدخل المؤمنين الطائعين الجنة، ويدخل الكافرين، والفاجرين، والمفسدين النار. {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي} أي: لا يوفق، ولا يرشد إلى الهدى. {مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ} أي: من قصده الكذب، والافتراء على الله تعالى، وقلبه كافر بآياته، وحججه، وبراهينه؛ لأنه فاقد للبصيرة، غير قابل للاهتداء، لتغييره الفطرة الأصلية بالتمرن على الضلال، والتمادي في الغي، والخسران، وقد علم الله في قديم الأزل: أنه يختار الكفر، وفي هذا رد على القدرية وغيرهم، والمراد: ب‍: {أَوْلِياءَ} ما يعبده الكافرون من حجارة، وأوثان، وشمس، وقمر، وأيضا: عيسى، وعزير، على نبينا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

تنبيه: قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا..}. إلخ يحتمل المتّخذين وهم الكفرة، والمتّخذين، وهم: الملائكة، وعيسى، واللاّت، والعزّى. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قوله: فالضمير في اتخذوا على الأول راجع إلى (الذين)، وعلى الثاني إلى المشركين، ولم يجر ذكرهم لكونه مفهوما، والراجع إلى: (الذين) محذوف، والمعنى، والذين اتخذهم المشركون أولياء. انتهى. وانظر الإعراب لتوضيح المعنى. هذا؛ ولا تنس الالتفات من الخطاب في الآية السابقة إلى الغيبة في هذه الآية.

الإعراب: {أَلا:} حرف تنبيه، واستفتاح يسترعي انتباه المخاطب لما يأتي بعده من كلام.

{لِلّهِ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {الدِّينُ:} مبتدأ مؤخر. {الْخالِصُ:} صفة له، والجملة الاسمية ابتدائية لا محل لها. {وَالَّذِينَ:} الواو: حرف عطف. (الذين): اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {اِتَّخَذُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {مِنْ دُونِهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من:

{أَوْلِياءَ،} كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا على القاعدة: «نعت النكرة إذا تقدم عليها

<<  <  ج: ص:  >  >>