للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨)}

الشرح: {وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى..}. إلخ: قال ابن عبّاس-رضي الله عنهما-: خوّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جماعة من اليهود العقاب، فقالوا: لا نخاف، فإنّا أبناء الله، وأحباؤه، فنزلت الآية الكريمة فيهم، وفي النّصارى. وقال السّدّي-رحمه الله تعالى-: زعمت اليهود أنّ الله-عزّ وجل-أوصى إلى إسرائيل-عليه السّلام-: أنّ ولدك بكري من الولد، وقال غيره: والنّصارى قالت: نحن أبناء الله؛ لأنّ في الإنجيل حكاية عن عيسى-عليه السّلام-: أذهب إلى أبي، وأبيكم. وقيل: المعنى نحن أبناء رسل الله، فهو على حذف مضاف، أو المعنى: نحن أتباع ابنيه: عزير، والمسيح، أو مقرّبون عنده قرب الأولاد من والدهم. وبالجملة: فقد كانوا، ولا يزالون يدّعون: أنّ لهم فضلا، ومزيّة عند الله على سائر الخلق.

{قُلْ:} الخطاب لسيد الخلق، وحبيب الحق صلّى الله عليه وسلّم: {فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} أي: إن صحّ ما زعمتم؛ فلم يعذبكم بذنوبكم؟ وقد عذّبكم في الدّنيا بالقتل، والأسر، والمسخ، وتشتيت الشّمل، واعترفتم بأنّه سيعذّبكم في الآخرة بالنّار أياما معدودة بعدد الأيام التي عبد فيها آباؤكم العجل، ولا يعذّب الوالد ولده، ولا الحبيب حبيبه؛ فإذا أنتم كاذبون في دعواكم البنوة، والمحبّة. هذا؛ وقيل: معنى: {يُعَذِّبُكُمْ:} عذّبكم، فهو بمعنى المضي، ولا بأس به؛ إذ المعنى عليه. {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} أي: أنتم بشر من جملة المخلوقات؛ الّتي خلقها الله تعالى، ولكم ما لهم، وعليكم ما عليهم، يحاسبكم على أعمالكم، ويجازي كلاّ بما عمل.

{يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ:} لمن يستحقّ المغفرة بسبب توبة، أو طاعة. {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ:} من يستحقّ العذاب بسبب كفره، أو إدمانه المعاصي، والمنكرات. {وَلِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ..}. إلخ:

انظر الآية السّابقة. {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ:} إليه المرجع، والمال في الآخرة يحاسب كلّ إنسان على ما قدّمت يداه. هذا؛ وبين: {يَغْفِرُ} و (يعذب) طباق، وهو من المحسّنات البديعيّة.

{الْيَهُودُ:} سمّوا بذلك نسبة إلى «يهودا بن يعقوب» وهو أكبر أولاده، وقد عبّر عنهم القرآن في كثير من المواضع ب‍: {الَّذِينَ هادُوا} فهو مثل الأوّل. أو سمّوا بذلك لمّا تابوا من عبادة العجل، من: هاد بمعنى: تاب، ورجع، ومنه قوله تعالى حكاية عن قولهم في سورة (الأعراف): {إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ}.

هذا، وماضي: {يَشاءُ:} شاء، ولم يرد له، ولا ل‍: أراد، يريد أمر فيما أعلم، وأصل شاء شئ على فعل بكسر العين بدليل قولك: شئت شيئا، وقد قلبت الياء ألفا لتحركها، وانفتاح ما

<<  <  ج: ص:  >  >>