سننظر في أمرك؛ لأن الهدهد لما صرح بفخر العلم بقوله:{أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ} صرح له سليمان بقوله: {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ} فكان ذلك مقابلة لما قاله، وكفاء له.
ثم إن الهدهد دلهم على الماء، فاحتفروا الركايا، وروي الناس، والدواب، ثم إن سليمان على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، كتب كتابا: من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ: (بسم الله الرحمن الرحيم، السّلام على من اتبع الهدى، أمّا بعد أن لا تعلو عليّ، وائتوني مسلمين). قيل: لم يزد على ما نص الله في كتابه، وكذلك الأنبياء؛ كانوا يكتبون جملا، لا يطيلون، ولا يكثرون. فلما كتب الكتاب طبعه بالمسك، وختمه بخاتمه، وقال للهدهد:
{اِذْهَبْ..}. إلخ. وقيل: لم يبدأ سليمان-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-كتابه باسم الله؛ لأنها كانت كافرة قارئة، فخاف من كفرها أن تستخف باسم الله، فجعل اسمه وقاية لاسم الله تعالى، وكانت عربية، والكتابة عربية، وهو الظاهر، وقيل: إنه كتبه بالعجمية، ولها ترجمان يترجم لها به؛ لأنها عربية، ويحتمل أنها كانت تعرف غير العربية. انتهى. جمل نقلا عن شيخه.
الإعراب:{قالَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى «سليمان» تقديره: «هو». {سَنَنْظُرُ:}
السين: حرف استقبال. (ننظر): فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:«نحن»، وهو معلق عن العمل لفظا بسبب الاستفهام. {أَصَدَقْتَ:} الهمزة: حرف استفهام. (صدقت):
فعل، وفاعل، والمتعلق محذوف، تقديره: في قولك، والجملة الفعلية في محل نصب سدت مسد مفعول:(ننظر). {أَمْ:} حرف عطف. {كُنْتَ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {مِنَ الْكاذِبِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر: {كُنْتَ،} والجملة الفعلية هذه معطوفة على ما قبلها فهي في محل نصب مثلها، وجملة:{سَنَنْظُرُ..}. إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
الشرح:{اِذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ:} إنما قال: (إليهم) بلفظ الجمع؛ لأنه جعله جوابا لقول الهدهد:{وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ} فقال: ألقه إلى الذين هذا دينهم، وقد قرئ:(ألقه) بقراآت كثيرة. {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} أي: تنح عنهم. أمره بالتولي حسن أدب حسب ما يتأدب به مع الملوك، أي: وكن قريبا منهم؛ حتى تسمع، وترى ما يقولون. {فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ:} بماذا يتداولون، كقوله تعالى:{يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ،} فأخذ الكتاب، وأتى به إلى بلقيس، وكانت بأرض مأرب من اليمن، على ثلاث مراحل من صنعاء، فوجدها نائمة، مستلقية على قفاها، وقد غلقت الأبواب، ووضعت المفاتيح تحت رأسها، وكذلك كانت